أثار مشهدان دهشة العالم بأكمله الأسبوع الماضي. الأول كان مشهد بيل كوسبى الممثل القدير المخضرم والملقب بـالأب الأمريكى وهو مكبل اليدين ويقوده أفراد الشرطة إلى السجن بعد إدانته بوقائع اغتصاب متعددة، هذا بينما ألغت 4 جامعات أمريكية الدكتوراه الشرفية التى قد مُنِحت له قبيل هذه الاتهامات. والمشهد الآخر حدث فى اليوم نفسه عندما استمع العالم إلى القاضى بريت كافانو المرشح من قبل الرئيس الأمريكى عضواً دائماً للمحكمة العليا وهو منصب شديد الخطورة
استمع العالم إلى كافانو وهو يدافع عن نفسه أمام سيدة ضمن عدة سيدات اتهمنه بمحاولة اغتصابهن فى صباه وأيضا عندما كان طالبا فى إحدى أكبر جامعات الولايات المتحدة. لن نعرف الحقيقة بأكملها فى حالة كافانو، فقد يكون هناك تلاعب سياسى ومحاولة لتحطيم المرشح بغرض محاربة الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه. بغض النظر عن الحقيقة فإن كافانو يمثل كبار القوم فى الولايات المتحدة
ذكّرنى هذان المشهدان بسوء السلوك الجنسى لعديد من الشخصيات الأمريكية اللامعة بدءًا بهارفى وينستين مخرج هوليود الشهير الذى اتُهم بالتحرش بعشرات السيدات ثم تابعها اتهام الممثل الكبير كيفين سباسى بالتحرش بممثلين تحت سن البلوغ وتواصلت الاتهامات ضد صحفيين وأطباء ومقدمى برامج تليفزيونية وموسيقيين عالميين
حتى شارلى روز المحاور المرموق - الذى قبل رؤساء الدول وكبار الشخصيات مثل الرئيس السابق مبارك والسيدة جيهان السادات والرئيس الروسى بوتين والرئيس الأسد بالظهور على برنامجه التليفزيونى - اتُهم بنفس الاتهامات الجنسية وأُلغى برنامجه التليفزيوني. ولم يفلت الرئيس ترامب من الاتهامات نفسها، فالعديد من النساء قد اتهمنه بالتحرش وإن كان قد أنكر جميع هذه الاتهامات واعتبرها مفبركة
إن آلاف النساء فى الولايات المتحدة يتعرضن للتحرش والاغتصاب والعنف الجنسى كما أثبتت حركة «مى تو» التى شجعت هؤلاء على للخروج عن صمتهن وتوجيه الاتهام لمغتصبيهن. ولن ندرك سبب لجوء كبار القوم فى الولايات المتحدة إلى هذه الوسائل الرخيصة فى مجتمع متفتح ومتحرر يقبل الصحبة والعلاقات العاطفية
ذكّرنى هذان المشهدان والقصص الأخرى بالاستبيان الدولى الذى أجرته مؤسسة «تومسون رويترز» فى أواخر 2017 الذى ادعت فيه آنذاك أن المرأة فى مدينة القاهرة تعانى التحرش وسوء السلوك الجنسى وأن القاهرة تعد ثالث أسوأ مدينة كبرى من حيث التحرش. ضمنا لاتهامات أخرى مثل محدودية التعليم والتمويل والرعاية الصحية صنف الاستبيان القاهرة بأنها أخطر المدن الكبرى بالنسبة للمرأة
فكرت كثيرا فى الاستنتاجات التى توصل إليها الاستبيان آنذاك وكم المقالات الغربية التى تناولته بشغف. أنا لا أشك أن النساء فى مصر يتعرضن إلى التحرش والعنف والإساءة ولكن لا شك أيضا أن القاهرة ليست أسوأ من أى مدينة أخرى فى العالم بل بالعكس التحرش والمعاكسات المقززة التى تتعرض لها الفتيات فى شوارع القاهرة معظمها وفى مجملها لا تتطور إلى أكثر من التحرش. أنا لا أدافع عن التحرش فهى عادة قبيحة متفشية فى بعض المراهقين ولكن وهو الأهم أننا لا نرى هذا التصرف المشبوه من كبار القوم، فالحمد لله لم نسمع عن قاضٍ او محامٍ أو طبيب يتعرض لسيدة باللمس القبيح أو بخلع ملابسه أمامها أو لا سمح الله بالاغتصاب
وحتى يومنا هذا المرأة المصرية يمنعها الوقار والحياء من أن تذهب إلى الشرطة متهمة مرتكبى مثل هذه التصرفات الجنسية المشينة، ولكنها ستحكى عن التصرف القبيح لصديقاتها أو أخواتها البنات، وكنا آنذاك علمنا أو على الأقل أصبحنا ملمين بأن هذه الأحداث ترتكب فى بلادنا. أنا لا أقول إنها لا تحدث لأن المنحرفين موجودون فى كل مكان ولكنها عادة لا تتم على يد كبار القوم وليست بالكثرة أو بالاعتيادية الموجودة فى الغرب
أما بالنسبة للعلاج فليس هناك تفرقة بين النساء والرجال. لم يكن هناك أى تفرقة عند علاج 1،8 مليون رجل وامرأة من فيروس سى فى خلال السنتين الماضيتين. وكان أجدر بتومسون رويترز أن تجتهد لمعرفة هذا النجاح بدل المبالغة فى تسليط الضوء على السيئات
ولابد أن نعترف بأن الختان مازال متفشيا فى الريف وبعض المدن ولكن ألم تعترف هيئة حقوق الإنسان الدولية بأن قانون الختان الذى سنّه مجلس الشعب فى أغسطس 2016 هو خطوة جريئة لمحو الختان وأن معاقبة مرتكبى هذا الجرم بـ 7 سنوات سجنًا قد تقلل من الإقدام عليه؟ لذا كان على رويترز التحرى عن كثب عند تداول ما تعده حقائق عن بلاد كريمة بل كان من الأفضل التوجه بمثل هذه الاتهامات لكبار القوم فى بلادها
لمزيد من مقالات ◀ د. عزة رضوان صدقى
via www.ahram.org.eg
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.