عند قلى بعض الأطعمة مثل الطعمية أو البطاطس أو حتى حلقات الباذنجان يبقى بعدها هذا الزيت المشمئز لونا وشكلا ورائ فكيف يتم التخلص منه؟ البعض يضع الزيت فى حاوية مغلقة ويضيفه إلى باقى القمامة. أما البعض الآخر، كما هو الحال فى مصر، فغالبا ما يلقون به والدهون عامة فى صرف الحوض مع عدم المبالاة من التداعيات المترتبة على ذلك. بالإضافة إلى خطورة سكب الزيت بهذا الأسلوب على البيئة فهو يعتبر تبذيرا لمصدر وفير من مادة يمكن استخدامها لخلق وقود صديق للبيئة يسمى بيو ديزل ومعروف بالوقود البديل ويعتبر مفيدا من نواحٍ عديدة. تتحول الزيوت والدهون المسكوبة مع الوقت فى مجرى مياه الصرف إلى أحجار صلبة عملاقة تتماسك مع الفضلات الأخرى مثل البلاستيك والورق والحفاظات والنفايات التى تكوِّن دعما هيكليا للزيوت ثم تغلق تدفق المياه فى الصرف الصحي.
فى العالم الغربى يسمى هذا الصلب الفاتبرجز أى الجبال الدهنية لكونها عملاقة الحجم وشديدة الصلابة وتلك الجبال الدهنية فى المدن مثل مانيلا ونيويورك وملبورن ودنفر ومدن أخرى تسبب انسدادات تؤدى بفيضانات غامرة بالقاذورات ومكتظة بالملوثات وتقتل مئات الحيوانات البحرية وتتسرب منها رائحة كريهة. مثلا معدل الانسداد من الجبال الدهنية فى مصارف بريطانيا يعد بالآلاف سنويا. نحو مليون جنيه استرلينى تصرف شهريا لاستخراج هذه الدهون من منطقة واحدة فى بريطانيا تسمى وايتشابل.
مدن العالم أدركت خطر الانسداد الذى يسببه الدهن والزيوت والآن يحاولون عن طريق حملات توعية مكثفة تثقيف المواطنين عن مخاطر زيوت ودهون القلى وإرشادهم إلى إزاحة الدهون من الأوانى قبل غسلها وإجبار مطاعم الوجبات السريعة على استعمال مصائد لحجز الزيوت قبل اختفائها مع الصرف كما توضع مصائد للزيوت والدهون قبل وصولها لمصب المياه، كذلك معظم البلاد الاوروبية قد أدركت فوائد استخلاص الوقود البديل (البيو ديزل) فدعنا نتعرف عليه.
يستخلص الديزل من البترول بينما يستخلص البيو ديزل من الزيوت النباتية والدهون، والمكسب مضاعف لاستعمال الزيوت التى استعملت للطهى حيث إن أولا: البيو ديزل لا يلوِّث أو يضر بالبيئة، وثانيا: لأن سكب زيت الطهى فى الصرف يعرِّض الجميع لخطر جم. البيو ديزل له منافع عديدة أولها أنه آمن ولا يوجد به إلا قليل جدا من ثانى أكسيد الكربون المسبِّب للاحتباس الحرارى إذ ينبعث منه 80% أقل مما ينبعث من الديزل فهو بالطبع مفيد للبيئة. صنع البيو ديزل من زيوت الطهى ليس بشيء معقد ولكنه مكلِّف للوقت والمجهود فى تجميع الزيوت المستعملة من المطاعم وسلاسل الطعام والموردين التجاريين، ولكنها وسيلة لاسترداد بعض ما ينفقه التاجر إذا ما ثمّن هذا الزيت بثمن ما وأدرك الجميع خطورته. أما إذا ما انتشر التجميع من المنازل فذلك سوف يعزِّز ويوسِّع الإنتاج.
والبلاد الأوروبية تشجع إنتاج البيو ديزل، فبعضها يبيع البيو ديزل فى محطات الوقود جنبا إلى جنب مع الديزل أو مخلّط مع الديزل بنسبة 20 فى المائة. يوجد فى بلجيكا وهولندا وكثير من الدول الأوروبية الوقود البديل فى المحطات منذ 2006. أما النرويج فقررت أن يحتوى وقود الطيران على نصف فى المائة من البيو ديزل بدءًا من 2020، ومن المرجح أن يتضاعف إنتاج البيو ديزل فى بريطانيا من 700 مليون لتر فى السنين القادمة.
بينما نحن فى مصر ليس لدينا تقدير عام عن حجم الانسداد فى مصارفنا, من البديهى أن يكون مماثلا لمناطق أخرى فى العالم إن لم يكن أعلى من حب المصريين للقلى والأكلات المدهنة والأكلات السريعة الحديثة، والأهم لعدم إدراكنا خطورة هذا الأسلوب فى التعامل مع الزيوت والدهون. معظم الأسر المصرية تستخدم نحو 3 لترات زيت شهريا، وهذا أعلى من المتوسط العالمى بكثير. وبالطبع فإن مجمل هذه الزيوت والدهون يصبُّ فى مصارفنا ثم بالتبعية فى نهر النيل.
أما الآن فهناك بعض الشركات التى بدأت تجميع زيوت الطهى من مصدرها. إن أول الغيث قطرة أما إذا بدأت الأسر المصرية فى تقبل فكرة إعادة تدوير زيوت الطهى فالفوائد عدة. أولا لن يعاد استعمال الزيوت أكثر من مرات محدودة حيث إن إعادة غلى الزيوت يخلق مادة الترانسفات التى تصبح ضارة إذا زادت نسبتها فهى ترفع من معدل الكوليسترول فى الدم وتؤدى إلى تصلب الشرايين.
فى كثير من البلاد الغربية تحدد نسبة وجود الترانسفات فى المواد الدهنية لخطورتها. وثانيا تبقى مصارفنا، ومجارينا خالية من هذا التلوث البيئي. وثالثا سوف نستفيد من البيو ديزل الذى سينتج من زيوت الطهي. آن الأوان أن ندرك مخاطر الزيوت والدهون على مصارفنا والأهم أن تسعى مصر إلى التوسع فى إنتاج وتصنيع البيو ديزل ثم إضافته إلى المنتجات البترولية.
----------
أستاذة الإعلام بكندا
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقىرابط دائم:
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.