مشروع قانون 21 يمنع موظفى الحكومة فى مقاطعة كيبيك، مثل المعلمين ونظار المدارس والقضاة والمحامين وضباط الشرطة، من ارتداء الرموز الدينية كالطاقية اليهودية أو العمامة السيخية أو الحجاب الإسلامى. لن يُفصل الذين يعملون بالحكومة ويرتدون هذه الرموز اليوم، ولكن، إذا تم تفعيل القانون، ومن المرجح ذلك، سينفّذ على كل من يُتعاقد معه من الآن فصاعدا، وسوف يسرى على الجميع فى حالة الترقى
تعددية الثقافات هى فخر كندا وأسلوبها فى التعامل المتساوى مع جميع أفراد المجتمع، هذا وإن كانت ولاتزال مقاطعة كيبيك مختلفة عن المقاطعات الأخرى. فى كيبيك تسود العادات واللغة الفرنسية، وإن كان هذان يتضاءلان شيئا فشيئا، لذا تحاول كيبيك باستماتة المحافظة على وجودها المختلف، وخطة الحكومة فى فرض هذا القانون هى من حيطتها من النفوذ الأجنبى ورغبتها فى الاحتفاظ بصلبها الأصلى. إذا أدركنا ذلك قد نتفهّم الأسباب وراء مشروع قانون 21.
إن أعضاء الحزب الحاكم فى كيبيك، الذى يتمتع بأغلبية قوية، مقتنعون بأن مشروع قانون 21 يدعم الفصل بين الدولة والدين، ويحافظ على الهوية المتميزة للمقاطعة، ويوازن بين الحقوق الفردية والحقوق الجماعية، ولكنهم أيضا اعترفوا بأن مشروع قانون 21 رغم أنه من أجل مصلحة المجموع، او هكذا يعتقدون، فإنه يحد من حق بعض الأقليات. استمعت اللجنة المكلفة بتشريع القانون إلى المؤيدين والمعارضين، ووقف الكثيرون يتحدثون عنه بالإيجاب أو بالسلب. هذا وقد طالب منتقدو مشروع القانون مؤيديه مرارًا وتكرارًا بتقديم دليل على التهديد الذى يواجه مجتمع كيبيك من هذه الرموز، لأنه تخوف مفتعل، ومع ذلك أيّدت مجموعات كثيرة أدلت بشهادتها مشروع القانون، ووصف بعضهم النساء المسلمات اللاتى يرفضن إزالة الحجاب فى مكان عملهن بالمتطرفات، قائلين إنه: عندما ترتدى إحداهن الحجاب فإنها ترسل رسالة واضحة، كما لو كانت تحث الآخرين على الانضمام للإسلام، حتى إن بعضهم اقترح أن يذهب مشروع القانون إلى أبعد من نصه الحالى. هؤلاء البعض يريدون تطبيقه أيضا على معلِّمى المدارس الخاصة ومعلِّمى دور الحضانة، حينئذ المعلِّم اليهودى فى المدرسة اليهودية الخاصة لن يُسمح له بارتداء طاقيته الخاصة، كذلك المعلِّمة المسلمة لن ترتدى الحجاب فى المدرسة الإسلامية نتمنى ألا يحدث ذلك فهذا أسلوب عنصرى صارخ وتدخل فى الحريات الشخصيه
أما من اعترض على تشريع القانون فهم الأغلبية العظمى من الكنديين، فالجموع مشمئزة تماما مما تنوى مقاطعة كيبيك إقراره وقد تناول الإعلام مشروع القانون ببغض، واعتبره قانونا تمييزيا وعنصريا. وقد لخص جستن ترودو، رئيس وزراء كندا، القانون بوضوح شديد قائلا: لا يعقل أن نكون فى مجتمع حر ومع ذلك نشرِّع التمييز ضد المواطنين على أساس دينهم. وقد وقف مئات بل آلاف المواطنين من مختلف العرقيات فى وقفات احتجاجية، مطالبين حكومة كيبيك بالتريث وعدم التفريط فى الحريات الشخصية، وقال بعضهم: إن حملة قمع الرموز الدينية سيكون لها تداعيات خطيرة، لأنها تزرع الخوف والانقسام وتآكل الحقوق الأساسية، والحجاب ليس رمزًا دينيًا، إنه عقيدة وقناعة عميقة الجذور، وما يُقال لك هو أن تتخلى عن هويتك كإنسان، وأنا لا أعتبر هذا خيارا حرا
كما أن كثيرين يعتبرون تشريع هذا القانون فى هذا الوقت بالذات خطًأ كبيرًا، لأن جرائم الكراهية العنصرية ضد الأعراق المختلفة تزايدت فى كيبيك ثلاثة أضعاف فى الآونة الأخيرة، لذا فالمعترضون على القانون ينصحون الحكومة بالتعامل مع حقوق الفرد بشيء من التريث والحذر. الأهم هو: هل باستطاعة مقاطعة بمفردها، كيبيك، على عكس باقى المقاطعات التسع والأقاليم الثلاثة، فى بلد يمثل نموذجًا عالميًا للحقوق والحريات الفردية، أن تضع مشروع قانون ينتهك الميثاق الشرعى للبلد وتميِّز البعض على الآخرين، بل إنه يضر بالتماسك الاجتماعى كما يعطى الأغلبية البيضاء الفرصة للتعنُّت ضد الأقليات الدينية واستغلال القانون لإباحة أعمال عنف ضدهم. إنه انتهاك صارخ وجسيم لحقوق الإنسان. كما أن الرسالة التى يتلقاها المسلمون والسيخ واليهود والأعراق المختلفة هى رسالة واضحة: أنهم غير مرحب بهم فى كيبيك، فهم مجبرون إما لتغيير ممارساتهم الدينية أو المخاطرة بفقدان وظائفهم أو النزوح لمقاطعات أخرى
والعجيب أن الحكومة الفيدرالية بها وزيران يرتديان العمامة السيخية، كما أن زعيم الحزب الديمقراطى الفيدرالى المعارض هو أيضا يرتدى العمامة السيخية. فكيف سيكون حال هؤلاء المشرِّعين إذا وجب عليهم زيارة كيبيك، وهل سيشعرون أنهم مرحب بهم هناك؟
القانون لا يستهدف رمزا واحدا على وجه التحديد، ولكنه من المؤكد يخص المسلمات بالأغلب، لأنهن الأكثر ظهورا، وسوف يؤثر عليهن هذا القانون كثيرا، وقد أدركت مواطنة محجبة وعلى درجة الماجستير فى القانون الجنائى، أن حلمها لتكون مدعية جنائية قد ولّى، لأنها لن تكون قادرة على ارتداء الحجاب فى المحكمة إذا ما تم إقرار قانون 21.
إن مشروع القانون 21 هو بمثابة منحدر للانقسام ولتآكل الحقوق الأساسية. ياليت كيبيك تعدل عن هذا القانون
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى