الاهرام اليومي (٣٠ نوفمبر, ٢٠١٩) بقلم عزة رضوان صدقي
تعريف "التضخم" هو تقلُّص القوة الشرائية مع ارتفاع الأسعار. عندما تتقلص قيمة المال أي لا يستطيع الفرد شراء ما كان بالإمكان شراؤه بنفس المبلغ، يتقلص مستوى معيشة هذا الفرد، وعندما تتسع قدرة المال، أي يستطيع الفرد شراء أكثر مما كان يشتريه بنفس المبلغ، يتحسن مستوي معيشته. إذن فالتقلبات في معدل التضخم هي المؤشر الحقيقي لمستوى معيشة المواطن
تقف معدلات التضخم الإيجابية بشكل عام من 2 إلى 3 بالمائة. التضخم المرتفع بشكل خطير وحتى المنخفض منه كلاهما غير مرغوب فيه، الا أن التضخم المرتفع يعتبر الأسوأ بالطبع. التضخم المنخفض هو تخفيض المستوى العام للأسعار ومع هذا الانخفاض، يتباطأ الإنتاج وينضب المخزون. معدلات التضخم في البلدان الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا تحوم حول 1-2 في المائة، ويبلغ معدل التضخم في كندا 2,4 في المائة والولايات المتحدة 1,7 في المائة والصين 2,1 في المائة. وعلى النقيض تواجه بعض الدول معدلات تضخم تعكس أزماتها الاقتصادية: يبلغ معدل التضخم في السودان 63 في المائة واليمن 41 في المائة وزيمبابوي ١٧٥ في المائة وكوريا الشمالية 55 في المائة
ثم هناك بلدان هوت اقتصاديا تماما، ويدل معدل تضخمها على الكارثة الاقتصادية التي تمر بها. وصل معدل التضخم في فنزويلا إلى 274 في المائة في عام 2016 وتدريجيا صعد إلي 815,194 في المائة في عام 2019. مع هذا التضخم المفرط تآكلت العملة الفنزويلية تماما واضطرت الحكومة لإعادة تصنيف العملة عن طريق إزالة ثلاثة أصفار. بذلك أصبح الطعام غير متوفر ورفوف المتاجر فارغة واضطر الملايين إلى الفرار خارج البلاد. في لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي يبيع الفنزويليون الهدايا التذكارية المصنوعة من العملة الورقية الفنزويلية التي لا قيمة لها على الإطلاق
الآن إلى لب اهتمامنا: مصر. ما الذي حدث في مصر بالنسبة للتضخم؟ قبل ارتفاع عام 2016, كانت معدلات التضخم في مصر تتفاوت من أدنى مستوياتها في عام 1968 (-1,7 في المائة) إلى أعلى مستوياتها عام 1986 (23,9 في المائة). كان هناك العديد من السنوات الجيدة من 1998 إلى 2003 (2,3 في المائة في المتوسط) والعديد من المعدلات الأعلى بشكل كبير خاصة في أوائل التسعينيات ثم ما بين ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٠ حيث وصلت معدلات التضخم إلى ١٦ في المائة. بعد 25 يناير 2011, تباطأ الاقتصاد المصري بشدة مع تباعد السياح وانخفاض تحويلات المصريين من الخارج، كما تناقص احتياطي العملات الأجنبية إلى مستوى خطير. كان لابد من تغيير جذري للمنظومة الاقتصادية بأكملها
مع قرض صندوق النقد الدولي الذي كانت مصر في أشد الحاجة إليه والبالغ 12 مليار دولار، جاءت عدة إجراءات تقشفية: تعويم الجنيه المصري وخفض الدعم على الوقود والكهرباء وزيادة ضريبة القيمة المضافة، وفورا ارتفعت معدلات التضخم إلى المعدل الخطير 33 في المائة، مما تسبب في غلاء فاحش في معظم المنتجات والخدمات وارتفعت اسعار الطعام واللحوم والدواء. ولأن أسعار الفائدة والتضخم متشابكان رفعت البنوك أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية لموازنة التضخم، وقفزت تكلفة الاقتراض الذي أضاف في زيادة الأسعار وصعوبة المعيشة. كما أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر تقريراً في يوليو 2019 أعلن فيه أن 32,5 في المائة من المواطنين المصريين يعيشون تحت خط الفقر، بزيادة 4,7 في المائة مقارنة بعام 2015 عندما بلغت 27,8 في المائة
لكن مؤخرا أذهل الاقتصاد المصري المحللين عندما بدأت معدلات التضخم في الهبوط حتى بعد جولة تلو الأخرى من خفض دعم الوقود والكهرباء. في عام 2018 انخفض معدل التضخم إلى 20,86 في المائة واليوم وصل إلى أدني معدل له: 2,4 في المائة. نحن بحاجة إلى الوقوف قليلا هنا حتى نستوعب هذا المعدل وبالتبعيه له انخفاض الغلاء ثم تأثير هذا الانخفاض على الاقتصاد المصري وعلى المواطنين
مع استقرار معدلات التضخم عند أدنى مستوياتها الإيجابية ستخفض البنوك أسعار الفائدة وبالتالي ستخفض الديون المحلية ويتقلص عجز الموازنة. علاوة على ذلك، سوف يقترض المستثمرون بفائدة معقولة نسبيا والمنتج سيكون أقل تكلفة، وهذا الاعتدال سوف يجنيه المستهلك بالطبع. كما أن انخفاض معدلات التضخم يشجع النمو والاستثمار، ولكن الأهم أن هذا الانخفاض يؤثر على المجتمع ككل، لأن المال عندئذ "فيه بركة" مع هذا الانخفاض ويستطيع الفرد شراء وامتلاك ما لم يكن باستطاعته سابقا
لخصت المجلة الاقتصادية بلومبرج هذا الإنجاز بقول "التباطؤ في معدل التضخم السنوي هو أحد أكبر إنجازات البنك المركزي المصري منذ أن شرعت مصر في البرنامج الاقتصادي المدعوم من قبل صندوق النقد الدولي في عام 2016." أود أن أضيف أنه ليس إنجازا للبنك المركزي فحسب، ولكنه إنجاز لصانعي القرار بشكل عام. درست عواقب قرض صندوق النقد الدولي وأدرك أنها ستكون تحديًا لجميع المصريين، ومع الاقتناع بأن المصريين يتفهمون التحديات وجادون في استيعابهم وقناعتهم، اقترضت مصر من الصندوق الدولي
اليوم يجني ثمار صبر المصريين وعزم صانعي القرار مجتمعين