٢٥ يناير ٢٠٢٠ الاهرام اليومي
لاختبار نظريتي حول مدى عمق الفجوه بين الطبقات في مصر، كثيرا ما أزعج نساء الطبقة العليا بسؤالهن عما إذا كن يعرفن أي نساء عانين من الختان. مع استيائهن الشديد تكون إجاباتهن دائما بالنفي. لا أقف عند هذا الحد. أسألهن إذا كانوا يدركن أن 87 في المائة من النساء في مصر قد عانين من الختان. عندئذ يصيب هؤلاء النساء الذعر كما لو كن يعشن في بلد آخر، لكنهن يدركن على الفور مدى انفصال الطبقات في مصر
إذا كانت هؤلاء النساء لا يعرفن أو يصادفن سوى عدد قليل من النساء المختونات وبشكل سطحي فقط، فإنهن يعشن بين 13 في المائة من المصريات ولا يدركن كثيرا عن الـ 87 في المائة من باقي المصريات. السبب الرئيسي لانتهاج الختان، هذا العمل الوحشي، ليس الفقر في حد ذاته ولكنه قلة التعليم التي يعاني منها فئة معينة من المجتمع. عندها فقط يدرك المرء الفجوة بين المتعلمين وغير المتعلمين وأن التعليم أو عدمه هو العامل الرئيسي في قضية الثراء والفقر. في العقود الأربعة الماضية تم إنشاء العديد من المدارس والجامعات الخاصة التي تحتاج رسوما باهظة لا يستطيع دفعها إلا البعض. من مزايا هذه المدارس أنها لا توفر الكفاءة اللغوية للطالب فحسب، بل تحصنه بالاستراتيجيات وتقنيات التعليم الحديثة فيتمتع طلاب هذه المدارس بفرص الإبداع الفني والرياضي والموسيقي. كما أن هذه المدارس تثري الطالب بالمقومات التي تساعده في رفع شأنه والتفكير خارج الصندوق وتوفر له التوعيه والنضج والثقة والمعرفة للمضي قدماً في الحياة. وبما أن التعليم في هذه المدارس مختلط، فالاثنان الطالب والطالبى يتعلمان كيفية التعامل مع الجنس الآخر بطريقة محترمة وكريمه للطرفين. وليس بالصدفة أن معظم كبار الدوله ورؤساء البنوك والمديرين التنفيذيين للشركات ومعظم من يبدع ويخلق تمتع بفرص تعليمية سليمة أعطته الكفاءة التي أوصلته لهذا المستوى. ولأن الأثرياء يتمتعون بفرص تعليمية جيدة، فهم يحصلون على فرص عمل أيضا جيدة ويستمرون في النهوض في المجتمع، وعلى النقيض فبدون التعليم الجيد يبقي الشخص راكدا في نفس المستوى إن لم يكن يتدنى مع الوقت إلى مستوى أقل ليصبح أكثر فقرا. إذن لتحسين مستوى معيشة الفرد المصري لابد من وجود منظومة تعليمية قادرة على تحسين قدراته وتنمية مواهبه وإعطائه فرصة الإبداع والتقدم
في مصر يوجد ٢٣ مليون طالب بمراحل التعليم قبل الجامعي، كما أن إجمالي عدد المدرسين لتلك المرحلة ١,٩ مليون مدرس. تكفي هذه الأرقام لمعرفة ضخامة المشكلة وبالغ خطورتها. ومع ذلك قد بدأت الدولة بخطوات ثابتة لتطوير التعليم. سوف تأخذ المنظومة التعليمية الجديدة سنوات طوالا حتى نجني ثمارها وتصل بنتائجها إلى ذوي الدخل المحدود، لكنها قد بدأت وهو الأهم. نحن بصدد تغيير شامل للمنظومة التعليمية تبدأ من رياض الأطفال حتى الثانوية العامة. تنقسم استراتيجية تطوير التعليم إلى أربعة محاور هي: تطوير نظام التعليم وتعديل الثانوية العامة وفتح المدارس اليابانية والمدارس التكنولوجية بالنسبه للتعليم الفني
لا يسعنا هنا إلا ذكر ما قد حدد لرياض الأطفال لأنها الأساس لبناء البذرة السليمة للإنسان. يتلخص النظام الجديد برياض الأطفال، "في مناهج جديدة تماما، وطريقة تدريس مبتكرة"، وتهدف هذه المناهج لأن يتعود الطفل من الصغر على أن يلغي من ذاكرته فلسفة الحفظ والتلقين، ويكون شخصية مبتكرة مفكرة طموحة تستطيع حل المشاكل والتفكير خارج الصندوق، وأن يكون الطفل أكثر انتماءً لوطنه ويحترم الآخر ولديه روح التعاون مع الجميع، ويتمحور كل ذلك حول "بناء الشخصية المصرية"، وهذا ما ذكرته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية
كما وفرت الحكومة المصرية حتى الآن ٣٥ مدرسة تتبع النظام التعليمي الياباني وتستمر في تأسيس هذه المدارس. وتطبق هذه المدارس النموذج الياباني "توكاتسو"، وهذا النموذج هدفه التنمية الشاملة للطفل من جميع الجوانب وتركز على "شخصية الطفل المتمثلة في سلوكياته ومهاراته العقلية، ومن ثم خلق مواطن صالح متزن منتج يعتز بنفسه ويقوم بأدواره في المجتمع لما فيه صالحه الشخصي وصالح المجتمع ككل على حد سواء، ويتحقق ذلك من خلال مجموعة من الأنشطة المرتبطة بالمهارات الحياتية إلى تدرج في الممارسات اليومية داخل المدارس". إن الطلبه الذين ينضمون إلى هذه المدارس المتميزة سوف يجنون الكثير إلا أن مصاريف تلك المدارس في حدود الـ ١١ ألف جنيه سنويا، وبموجب هذا لن يستطيع إلا بالأكثر ذوي الدخل المتوسط الوصول إليها ولن يستفيد منها ذوو الدخل المحدود
لقد أعطيت للقارئ صورة مبسطة ليس فقط للتمييز الطبقي الواسع في مصر، ولكن أيضًا للدور الذي يلعبه التعليم في تحديد المستويات الاجتماعية. سيؤدي تحسين النظام التعليمي ومعايير المعلم إلى تزويد الطلاب بفرص لخرق السقف الزجاجي، الحاجز غير المرئي الذي يحد من فرص البعض بحكم ظروفهم الاجتماعية. بالتأكيد مع التعليم الجيد سوف يستطيع ذوو الدخل المحدود من سد الفجوة العميقة المتواجدة حاليا واتخاذ الطريق نحو مستوى معيشي أفضل
Comments