الاهرام ١١ يناير ٢٠٢٠ بقلم عزة رضوان صدقي
لمصر الجديده معزة خاصة عندي، فقد نشأت بها ودرست في مدارسها وكنت جزءا من مجتمعها طوال عمري: الانجلش سكول ونادي سبورتنج وسينما كريستال والمريلاند والامفتريون وآيس كريم ماجيك وعصير كمال، لديهم ذكريات وطيدة عندي. لذلك سعدت جدا بحرص أهلها عليها وقهرتهم لما قد يبدو لأول وهلة بأنه سحق لما كان جميل فيها. كما سعدت أكثر بخوفهم على الأشجار التي خُلِعت بعد أن ظللت شوارع مصر الجديدة لسنين طوال. هذا الخوف إثبات لمحبة أهل مصر الجديدة لحيِّهم
ومن دافع الحب أيضا كانت الانتقادات كثيرة، فدعنا نحاول الوصول إلى الحقيقة، وعما إذا كانت الانتقادات على وجه حق أم لا، ففي الفترة السابقة أخذت هذه الانتقادات الجزء الأكبر من أي حديث سواء مع سائقي السيارات أو الاجرة أو أعضاء صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو الزوّار من الأهل والأقارب
الأقوال كثيره: "مذبحة الأشجار تمت"، "حنعيش في قلعة أسمنت"، "حد فاهم إيه إللي بيحصل؟"، "مش كان صبروا على كوبري أو اثنين علشان أهالي مصر الجديدة ميصبهمش الجنون؟"، "بكره تشوفوا البياعين إللي حينتشروا تحت الكباري والعربيات المركونة إللي حتدمر المنظر"
الانتقادات واقعية حتى وإن كانت لاذعة، فكان لابد من مراعاة قلق أهل الحي. مع عدم علمهم ببواطن الأمور أو الصورة المكتملة القادمة، بدت مصر الجديدة لأهلها كما لو كانت على حد قولهم "مصارينها طلعة برة". لا يوجد شارع أو ميدان لم يطُله الطائل: أكوام التراب وقوالب الاسمنت والأعمدة المخلوعة وبقايا قضبان المترو والحُفر المحفوفة بالخطر في كل مكان. المشوار الذي كان يستغرق عشر دقائق أصبح يحتاج إلى أربعين دقيقة. قطع المياه والكهرباء لساعات طوال. أشجار الخليفة المأمون التي كانت تتعانق أغصانها فوق الطريق في شكل رائع، هي أيضا قُلِعت. كم التحويلات اليومية تسببت في ازدحام وتكدس شديدين. كل هذا كان بالإمكان تحمُّله إذا كان قد تم إعلام أهل مصر الجديده بالتعديلات، والأهم جدولها قبيل تنفيذها بفترة. بالتأكيد كانوا سيتقبلونها حتى ولو على مضض
مع هذا فإن العمل بإصرار وبتواصل دؤوب ليل نهار نفّذ التعديلات في وقت قياسي. إنه كم من الجهد يُشكر عليه منفذو هذا المشروع الضخم، حتى ولو سبقته دوامات اقتلاع وهدم واختناقات مرورية. كما أن هذه التعديلات كانت لابد أن تنفذ مع بعضها البعض حتى وإن أرهقت أهل الحي. فمثلا اقتلاع قضبان المترو في شارع الحجاز كان لابد إتمامه مع زيادة سعة الطريق مع إقامة كوبري المحكمة مع تغيير مسار الطريق في روكسي إلى المقريزي وإلى كوبري القبة. لا يمكن تنفيذ جزئية إلا ولو نُفِّذت مع الجزئيات الأخرى
منذ ٢٠ سنة بالتقريب أُلغيت إشارات عديده وتحولت إلى انعطافات (دورانات) واسعة جدا لتفادي الكثافه المرورية عند الإشارات، ومع الوقت حتى هذه انعطافات اختنقت بكثرة السيارات. الكباري سوف تتغلب على هذه المشكلة، فالهدف من بناء هذا الكم من الكباري ليس إنشاء كوبري معلق مثل كوبري ٦ أكتوبر فوق شارع الجلاء أو كوبري ١٥ مايو فوق الزمالك، إنما أُنشِئت لتسهيل سيل السيارات وخلق حركة حرة بلا انقطاع. كذلك فإن الطريق الممتد تحت الكوبري بدون إشارات سيجعل السيارات تسير بسرعة يصعب معها وقوف الباعة أو الركن المخالف أو تحوّل المنطقة إلى مناطق عشوائية كما يتخوف أهل مصر الجديدة إلا في حالة كوبري النزهه الذي يتواجد تحته فراغات شاسعة سوف تنتهي بتحوّلها إلى عشوائيات إذا لم تُتخذ إجراءات صارمة لعدم حدوث ذلك
وها قد ظهرت علامات الفرج وبشائر الانتهاء من التعديلات، فقد زُرعت الأشجار في بعض الطرق إيذانا بانتهاء التكسير والهدم وبدءا في التعمير والإشغال. حُدِّدت أماكن لأحواض بديلة في الأرصفه الجديدة لزرع أشجار ستنمو تدريجيا مثل مثيلاتها السابقة لتصبح رئة للحي من جديد. فُتِحت معظم الكباري للاستخدام وبدت سهوله السير والحركه. البعض الآخر من الكباري قد بدأ كسوتها بالزراعات الرأسية في خطوة مبتكرة وحديثة. اتُبِع في جدران وأعمدة هذه الكباري ما يُسمي بالجدران الخضراء التي تضيف بساطا أخضر على الخرسانات الأسمنتية وتعطي إشراقا لواجهة الكباري، كما أنها تنقي الهواء. أملى تطبيق هذا النظام على جميع الكباري الجديدة حتى تعود الخضرة بكثافة إلى حي مصر الجديدة
خوفي ينبعث من الآتي: كم الحوادث التي قد تحدث لو استمر المشاة في عبور الطرق الواسعة بنفس الأسلوب السابق. في بعض الأجزاء تضاعف عرض الطريق الأصلي ليصبح خطرا جدا على المشاة، وهذه مشكلة شديدة لا أجد لها حلا إلا بعض المطبات الصناعية التي قد تحد من السرعة ثم تخصيص أماكن لعبور المشاة، وقد بدأ فعلا تحديد هذه الأماكن، لكن يجب التزام المارة بها واحترام السيارات لها
طرأت على مصر الجديدة تعديلات تجعلها غير مصر الجديدة السابقة، ولكن بالتأكيد كان لابد من تغيير جذري لحل الكثافة المرورية. لكن ستبقى مصر الجديدة هي أجمل أحياء القاهرة وبحب أهلها لها ستعود إلى جوهرها السابق إن لم تصبح أجمل بإذن الل
Comments