الاهرام ٢٢ فبراير ٢٠٢٠ بقلم عزة محمد رضوان
نحن على يقين من تداعيات ومخاطر فيروس الكورونا بعد أن تفشى في مناطق عدة في الصين وخارجها. حتى إذا وضعنا هذه المخاطر الصحية جانباً، فيظل هذا الفيروس ذا تأثير جسيم وبالأخص اقتصاديا على العالم أجمع
اعتبرت منظمة الصحة العالمية ظهور فيروس كورونا حالة طوارئ صحية عالمية، رغم أنها امتنعت عن تسميته وباءً حتى كتابة هذه السطور. ومع ذلك، من الصعب للغاية تتبع كم حالات الإصابات المؤكدة أو الوفيات أو حتى عمليات العزل الصحي، لأن الأرقام تتغير يوميا وبسرعة شديدة
فرضت الحكومة الصينية الحجر على 100 مليون مواطن لوقف انتشار الفيروس. ثم تم إلغاء الرحلات الجوية منها وإليها، وأوقفت الصين وسائل النقل العام، واغلقت المدارس والمصانع كما ظلت الفنادق والمطاعم وحتى الشوارع فارغة، وتم تمديد عطلة رأس السنة القمرية الجديدة لعدة أيام لمنع العمال من العودة إلى العمل. عند إعادة فتح أسواق الأسهم بعد العطلة تم تعليق التداول على الفور، حيث انخفضت الأسهم بشدة. مع ذلك فإن تراجع الأسهم المعهود الذي يطرأ عالميا بعد مثل هذه الأزمات لم يتم، وكثير من الاقتصاديين حثّوا المستثمرين على عدم الذعر وبيع الأسهم، فكما حدث بعد وباء فيروس سارس أو 11 سبتمبر، انتعشت الأسواق المالية بسرعة بعد الحدث ذاته.
لكن نصح محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في الولايات المتحدة، بعدم شراء الأسهم التي انخفضت أسعارها بسبب كورونا. وفقًا لعريان، عندما يتعلق الأمر برد الفعل على انتشار فيروس كورونا، لا تتمكن البنوك من سرعة التعامل وإنقاذ البورصة. في عام 2003, عندما ضرب وباء سارس الصين وتسبب في خسارة اقتصادية عالمية قدرها 40 مليار دولار، كانت حصة الصين في الأسواق العالمية حوالي 4 في المائة. أما اليوم فالصين لديها نسبة 16 في المائة من المنتج العالمي، ولذا ما يؤثر على الصين اليوم سوف يؤثر على العالم بالتبعية
كلما طالت مدة تفشي الفيروس طالت معاناة الاقتصاد الصيني والعالمي وإذا استمرت الأزمة لفترة أطول، وربما لعدة أشهر، فإن الناتج المحلي الإجمالي للنمو الصيني سينخفض بشكل حاد. لذلك فقد ضخت الحكومة الصينية بـ 22 مليار دولار في السوق على أمل تعزيز الاقتصاد من الهبوط المفاجئ
آثار كورونا ستظهر فورا على السياحة الصينية والعالمية. تواجد 163 مليون سائح صيني في عام 2018 وهم يمثلون ما يقرب من ثلث سائحي العالم، وفي حالة استمرار قيود السفر ستواجه السياحة والضيافة ككل خسائر فادحة. وقد بدأ التأثير بالفعل. تقول مقاله في "بلومبرج": "من طوكيو إلى لندن سجلت الفنادق والكازينوهات وشركات الطيران بالفعل تراجعًا ملحوظا، وتستعد لأسابيع إن لم يكن لشهور للانخفاض في الإنفاق بعد أن حدت الصين من السفر إلى الخارج، وشددت الحكومات ضوابطها على الحدود." كما تكبدت شركات الطيران العالميه خسائر فادحه عندما الغت شركات الطيران جميع الرحلات الدولية من والي الصين. كما تم حجر صحي على ركاب سفينة سياحية يبلغ عددهم 2666 و1045 من أفراد طاقم قبالة الساحل الياباني لمدة أسبوعين، بعد أن ثبت إصابة أحد النزلاء السابقين بفيروس كورونا
عندما اندلع فيروس سارس كانت الصين محدودة الإنتاج وتركز على الملبوسات والألعاب الرخيصة. أما الآن فقد تطورت الصناعة الصينية لتصبح موّردا رئيسيا للأجزاء والمكونات لعديد من الصناعات الدولية، بالإضافة إلى كونها جزءًا لا يتجزأ من إنتاج السلع الوسيطة التي يُعتمد عليها في تصنيع كثير من المنتجات العالمية ومع تقييد الرحلات الجوية إلى الصين وخارجها وإغلاق المصانع، سيتضرر قطاع التصنيع وستتوقف خطوط إنتاج عديدة في كثير من أنحاء العالم. كما أن الصين تصنع سيارات لشركة جنرال موتورز وهواتف ذكية وأجهزة كمبيوتر لشركة أبل ورقائق للهواتف المحمولة لشركة كوالكوم، وجميع هذه الشركات وأخرى عديدة قد أغلقت مكاتبها وأوقفت إنتاجها في الصين. وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز "فإن فيروس كورونا سوف يلحق الضرر بالشركات التي تعتمد على الصين في المكونات، من مصانع السيارات في الولايات المتحدة والمكسيك إلى مصانع الملابس في بنجلاديش وتركيا". جزء صغير من منتج، مثل التليفزيون الذكي، قد يكون مصنوعا من العشرات من المكونات الأصغر في الصين وتجمع في بلدان أخرى. من ناحية أخرى، نظرًا لأن العملاء وموردي الصناعات الصينينة في كثير من بلدان العالم سوف يخفِّضون إنتاجهم حتى يتسنى للصين مزاولة إنتاجها مرة أخرى، فعلى المصانع الصينية خفض الطلبات على الآلات المستوردة والمكونات والمواد الخام التي تحتاجها، مؤثرة على الأسواق العالمية بالتبعية
مع تكرار هذه الكوارث أدركنا جميعًا أن العالم صغير للغاية، وأن ما يحدث في أحد أطرافه له عواقب بعيدة المدى على العالم بأكمله سواء كانت مخاطر صحية أو تداعيات اقتصادية مدمرة
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.