الاهرام ٢٣ فبراير ٢٠٢٠
هأانا أغادر القاهرة تاركة فيها جزءا من روحي، فكل مكان ذهبت اليه سلبني بسحره، فللقاهرة سحر لا يقاوم. فهمي مجموعة من المدن مجتمعة في مدينة واحدة، فإن زرت القاهرة ألف مرة تشعر أنك متعطش لمعرفة المزيد عنها. فهي مكان لا يشعرك أنك مكتف، اوانك وصلت لحد الارتواء. وانا اغادر نظرت خلفي لتتملكني ذكرياتي في هذا البلد العريق، شريط ذكرياتي طويل يصل بي لطفولتي التي قضيت منها فصولا طويله علي ارض مصر، بل محفورة في نفسي وفي عقلي الكثير والكثير مما تعلمته من تلك الارض الخصبة، فمن مصر استقينا الادب, وتتلمذنا علي يد كتابها أدباءها الذين هم في حياتنا خالدون, ومن منا غير عاشق لأم كلثوم ولا يذوب بين صوتها وكلماتها والحان غنائها, ومن منا لم يفتن بتاريخ مصر القديم, ولا تبهره اثار مصر التي يعجز العلماء لليوم عن فك شيفرة اسرارها. فكم انا حزينه يامصر انني حرمت نفسي منك لأكثر من خمس سنوات، وذلك لأنني صدقت تلك الاكاذيب الخائبة التي تروج عنك هنا وهناك. جئتك يامصر خائفة وكأنني لا اعرفك ولا اعرف من هم اهلك
فلتسامحيني فلقد صدقت ان الأمن فيك مفقود، وأن شعبك جائع، وان حياتي فيك محفوفة بالخطر، وانني قد تلفق لي تهمة لكوني كاتبة. ويتم بعدها ايقافي ومنعي من دخول ارضك لأنك الان لا تتقبلين ان يكون فيك اي فكر، وانك للعقول المستنيرة طاردة، وان في ارض الكنانة توزع التهم علي الشعب كالخبز، لا تفرق بين غني وفقير, ولا عالم ولا جاهل, لذلك ترددت كثير قبل القدوم اليك. ولكن اشتياقي جعلني اغامر واسال هل ستسئ ارض الكنانة معاملتي، وجاءني ألف جواب بان اذهب وانا مطمئنة غير ابهة بما يقال عنك، ومع ذلك اتيتك خائفة لان اختم جواز سفري وبعد لحظات تبددت مخاوفي. واحتضنتني ارضك كما هي معتادة ان تفعل
جبت القاهرة الساحرة شرقها وغربها شمالها وجنوبها، تجولت في احيائها القديمة وازقتها العتيقة, دخلت بين الزحام الشوارع الضيقة, جلست في المقاهي الشعبية, لم اشعر بأي خطر يحاصرني, او ان هناك من يتربص بي لقتلي, بل وجدت ان الناس تجلس بأريحية تستمع بأوقاتها, ولا يجول في خواطرهم ما يدور في عقلي من تساؤلات. شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يعد واحدا من اهم معارض الكتب في العالم وجدته يرتدي حلي جديدة في الشكل والمضمون حيث المباني المعمارية الفخمة التي تضاهي ابرز التصاميم الهندسية في العالم والدقة في التنظيم والثراء في كم الكتب وعدد الندوات والمشاركين من كل حدب وصوب علي المستوي المصري والعربي والدولي. ذهبت لمرات عديدة للقاهرة الجديدة، تلك الضاحية التي ادهشتني فقبل عدة سنوات لم تكون اجزاء كثير منها موجودة، ووقفت مبهورة اما شوارعها الواسعة ومعمارها الانيق. فسالت نفس ما لذي يجعل الاعلام المصري مشدود الاعصاب دوما وفي دور المدافع، امام الصراخ علي كل تلك المحطات التي تروج الفتن والشائعات علي مصر, تمنيت لو انني استطيع الوصول اليهم لأقول لهم انني اتابعكم ومنكم تولدت في داخلي تلك المخاوف لأنكم كلما دخلتم في سجال مع القنوات التي تريد شرا بمصر, دخلت علي تلك البرامج لأشاهد واسمع وافند المواضيع والقضايا الشائكة التي تحولون نفيها عن مصر, لأعتقد ان مصر اشبه بساحة حرب كتلك الحرب المدارة بين قنواتكم وقنواتهم, واعتقدت ايضا ان سأجد الشعب المصري يعيش حالة الحرب ذاتها. ولكنني تفاجأت عندما وجدت ان الشعب يعيش بعيدا عن تلك المهاترات وان هنالك تغييرا حقيقيا علي ارض مصر أنتم مقصرون في ابرازه. لكل من يشتاق للشرق وسحره والتاريخ والحضارة التي أنتم ارسيتموها منذ الاف السنين. انا لا ابالغ ولا انتقص من قدر الاعلام المصر بإدلائي بهذه الشهاده، ولكنني فعلا تلقيت تحذيرات من الكثير من الاشخاص الذين اعرفهم ينصحونني بعدم السفر لمصر لأنها غير امنة تعمها الفوضى، وان التلوث اصاب كل شيء فيها حتى المياه والاكل ولكنني أستطيع ان اؤكد بكل امانة وصدق وبمزيد من الموضوعية الشفافية بان مصر هي ارض الكنانة التي ذكرها الله في كتبه المقدسة تظل محفوظة برعاية الخالق عز وجل ولكن اتمني ان تتوقف تلك الحرب الاعلاميه مع قنوات الفتن والافك والضلال. فإن توقفتم انتم عن الرد عليهم فستكون مواضيعهم خاوية، فهم ليس عندهم ما هو مفيد ولكن انتم عندكم الكثير لتخبروا به العالم اجمع عن بلدكم وعن انجازاتكم وعن الكثير من التطور الذي لمحته لحظة وصولي الي مطار بلدكم. سامحوني ان اثقلت عليكم ولكنني حقا اذوب عشقا في بلاكم
اديبة وروائية امريكية من اصول فلسطينية
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.