الاهرام اليومي (٩ فبراير ٢٠٢٠) بقلم عزة رضوان صدقي
عاتبت صباح فؤاد المهندس في أغنيتهما "الراجل ده حيجنني" لطلبه "طيورا", بالجمع, "بجنيه وريال" في وجبة رمضان. كان هذا في أوائل الستينيات من القرن الماضي، أي من ستة عقود. لا نبالغ إذا قُلنا إن "الجنيه وريال" لا يشتريان حتى جناح عصفور اليوم. هل الزيادة المهولة في أسعار المعيشة التي نحن بصددها هي شيء خاص بمصر أم هي "سلو" اقتصادات العالم ونهج موجود في كل مكان؟
الأحداث الاقتصادية الأخيره لها وضعها الخاص. ارتفعت الأسعار بشدة بسبب تعويم الدولار وضريبة القيمة المضافة وإزالة الدعم عن الكهرباء والوقود. لكن قبل ذلك بكثير وعلى مر السنين كانت الأسعار ترتفع بمنسوب سنوي منتظم. عندما كانت صباح تغني عن غلاء أكلة الطيور، كان قرش الصاغ له وزنه ويشتري عشرة قطع حلوى، وكانت تذكرة المترو الدرجة الأولى بثلاثة تعريفة وأكلة شوربة الخضار بقرشين صاغ، وكان المنادي يتقبل الصاغ ويحمد ربه. مع بدأ تمليك الشقق في أواخر الستينيات كان العقار لا يتجاوز الخمسة آلاف جنيه، وكانت المدارس الخاصة لا تتجاوز المائة جنيه سنويا. اليوم لا وجود للمليم أو التعريفة أو القرش، وقريبا سوف يندثر الجنيه أيضا. أما العقارات فأصبحت بالملايين ومصاريف المدارس الخاصة بالآلاف. لكن يجب أن ننتبه إلى أن الأجور والرواتب ازدادت تناسبا مع ازدياد الأسعار، وهذه نقطة في غاية الأهمية. في الستينيات كان راتب خريج الجامعة هو ١٧ جنيها فقط لأغير. في يونيو ٢٠٢٠ سيصبح الحد الأدنى للأجور ٢٠٠٠ جنيه. كما تزداد المعاشات ١٠ في المائة سنويا مما يدل على ما قد وصلت له الأجور والمعاشات عامة
الأهم أن الحال هو الحال في جميع بلدان العالم، فدعنا نقارن أسعار الماضي واليوم في بعض الدول. في الأربعينيات من القرن الماضي بلغ قيمة المنزل المتوسط في الولايات المتحدة ٣ آلاف دولار. في سنة ٢٠٠٠ كان مائة ألف دولار، واليوم أصبح مائتي ألف دولار، وبالتالي ارتفع الإيجار قرابة ٥ أضعاف عما كان سابقا. التعليم أيضا أصبح باهظ الثمن. كانت الرسوم الجامعية لجامعة هارفارد في سنة ١٩٧١ ٢٦٠٠ دولار سنويا، وأصبحت في منتصف هذا العقد حوالي ٤٤ ألف دولار، وهو ما يوازي ١٧ مرة أكثر مما كان عليه في ٧١, وبسبب هذا الارتفاع وصل الدين الطلابي العام إلى ١,٦ تريليون دولار. في عام ١٩٦٠, بلغ متوسط ثمن السيارة الجديدة حوالي ٢٧٥٠ دولارًا، والآن أصبح سعر السيارة المتوسطة ٣٧ ألفا، وكان جالون البنزين بنحو ٣١ سنتًا، والبنزين الآن في المتوسط ٢ دولار و٦٠ سنتًا. بالطبع الأجور ارتفعت بالمثل فكان الحد الأدنى للأجور في ١٩٤٥ هو ٤٠ سنتًا في الساعة وأصبح ٣ دولارات في ١٩٨٠ و١٠ دولارات في ٢٠٢٠
أما في كندا ففي بعض الولايات زاد العقار أضعاف وأضعاف ما كان عليه في السبعينيات مما أدي إلى ارتفاع الإيجار أيضا أضعافا. كان سعر المنزل في السبعينيات حوالي ٣٠ ألف دولار وأصبح في منتصف هذا العقد قرابة الـ ٦٠٠ ألف دولار. أما التعليم الجامعي فكان في حدود الـ ٥٠٠ دولار للفصل الدراسي الواحد واليوم أصبح ستة آلاف دولار لنفس الفترة. هلم جرا في انجلترا، فقد كان متوسط سعر المنزل في لندن حوالي أربعة آلاف جنيه إسترليني في السبعينيات وأصبح قرابة الـ٣٠٠ ألف إسترليني اليوم
كما هو واضح ارتفاع الأسعار المنتظم والمستمر شيء طبيعي ويحدث في جميع بلدان العالم. لكن لماذا ترتفع الأسعار بهذا المنسوب الهلامي حتى ولو تدريجيا؟ إنه التضخم. مثل الشيخوخة أو السمنه، آثار التضخم عميقة حتى ولو زحفت ببطء، وبينما نواصل الإنفاق والاستهلاك، لا تبدو الزيادة محسوسة في أول الأمر، ولكن سرعان ما يصدمنا فرق الأسعار. الصغار سننا لا يبالون كثيرا بهذا التغيير لأنهم لم يعهدوا القديم، أما كبار السن فيحبطون لأنهم يقارنون الأسعار اليوم بالبارحة.كلما زاد الطلب والاستهلاك والإنفاق ثم تلتها زيادة في الرواتب والأجور زادت الأسعار منعكسة على نمو الاقتصاد بإيجابية. كذلك عندما يكون الطلب أكثر من المعروض أو عندما تزداد أسعار النفط مثلا ترتفع التكاليف، أو عندما تنخفض قيمة العملة تزداد تكلفة السلع ترتفع الأسعار أيضا، ومع ذلك طالما ترتفع الأجور بنفس النسبة فهذا الارتفاع إيجابي. أما إذا لم ترتفع الأجور فيكون انعكاس التضخم سلبيا وتتقلص القوة الشرائية للجميع مما يؤدي بدوره إلى تباطؤ أو ركود الاقتصاد. أسباب أخرى تزيد الأسعار وتنعكس آثارها على معدل الشراء، فمثلا إذا واجهت الشركات زيادة في التكاليف من أجور أو الخامات فإنها تحافظ على ربحها من خلال نقل هذه التكلفة المتزايدة للإنتاج إلى المستهلك في شكل أسعار أعلى
إن ارتفاع الأسعار لظاهرة اقتصادية عالمية ومع مرور الوقت سوف يصدم شباب اليوم هم أيضا كما صدمنا نحن لأن ازدياد الأسعار سيستمر دون أدنى شك