الاهرام ٥ سبتمبر ٢٠٢٠
بقلم عزة رضوان صدقي
لاتزال وسائل الإعلام الغربية مصرة على الإساءة لمصر، فقد جاء عنوان جريدة فورين أفيرز الأمريكية بالتالي: "الوباء يقلب التوازن بين المسجد والدولة". يعتبر المقال التدابير التي اتخذتها مصر وأيضا المملكة العربية السعودية ضد الجائحة بمثابة "ترخيص لقمع المعارضة الدينية"، وبهذه المقولة منحت الجريدة لنفسها ترخيصًا للتضليل
عندما ظهرت الجائحة على الساحة حظرت بلاد العالم التجمعات وأغلقت معظم دور العبادة أبوابها واتُخذت كافة التدابير لحماية المترددين على الدور. أغلق الفاتيكان كنائسه وساحة القديس بطرس الكبيرة، واحتُفل بعيد الفصح بدون حضور أحد. في بيت لحم تم إغلاق جميع الكنائس والمساجد حتى خلال عيد الفصح وعيد الأضحى. كما ألغت إيران وإندونيسيا وتركيا ودول إسلامية عديده الصلاة في المساجد
ومع هذه الاحتياطات استنكر بعضٌ من رجال الدين والأتباع المتدينين إغلاق دور العبادة وعزموا على إبقائها مفتوحة في بقاع كثيره من العالم فاضطرت سلطات دول كثيرة إلى التفاعل. ففي ولاية ويسكونسن بالولايات المتحدة اضطرت الشرطة إلى إغلاق كنيسة أثناء القداس واصطحبت الشرطة المصلين للخارج. في فلوريدا بالولايات المتحدة تم القبض على قس لعدم امتثاله لأوامر الإغلاق، ووُجهت إليه تهمتان: "التجمع غير القانوني وانتهاك قواعد الطوارئ الصحية". اشتبكت الشرطة الإسرائيلية مع فلسطينيين مسلمين في القدس خلال صلاة عيد الأضحى. طبقاً لصحيفة الجارديان "أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي". كما اشتبكت الشرطة مع المصلين في باكستان والهند
حذت مصر والسعودية نفس الحذو لحماية بلديهما. أوقفت المملكة العربية السعودية العمرة وقلّصت أداء فريضة الحج إلى ألف وخمسمائة من الحضور بدلاً من المليونين المعتادين. علقت مصر صلاة الجمعة وأغلقت المساجد والكنائس في جميع أنحاء البلاد. لو فعلت مصر والسعودية خلاف ذلك لثار العالم واتهموهما بعدم حماية مواطنيهم
مع ذلك حرّفت جريدة فورين أفيرز هذه الإجراءات وصوّرتها كوسيلة من أجل تسلط الحكومتين المصرية والسعودية على الحريات الدينية واعتبارها ترخيصًا لقمع المعارضة الدينية
اعتقد عدد من الأئمة في مصر, حسب المقال, أنه يحق لهم عقد تجمعات دينية خاصة في منازلهم على الرغم من أوامر الدولة وتم منعهم من ذلك. كما عوقب أحد الأئمة لعدم التزامه بالإغلاق وسُحبت رخصته. لو حدثت هذه التصرفات في أي مكان آخر لاعتبرتها الفورين أفيرز مبررة. ربما تقترح فورين أفيرز معارضة دينية مثل التي تناولها عضو الإخوان المسلمين بهجت صابر الذي شجّع - عبر شبكات التواصل الاجتماعي - كل مصاب بكورونا إلى "دخول أقسام الشرطة والمؤسسات العسكرية والحكومية ومدينة الإنتاج الإعلامي والاختلاط بالآخرين لنشر العدوى". حق المعارضة الدينية لا يستلزم تفويضًا مطلقًا لاختراق المجتمع بالكراهية
ووفقًا للمقال دعت الحكومتان المصرية والسعودية المؤسسات الإسلامية إلى دعم قيود الصحة العامة التي تبنتها الدولتان، واعتبرتها قيودًا من الدولتين. حتى لو كانت فورين أفيرز على علم بما دار من حديث بين السلطات والقادة الدينيين, وهو أمر مشكوك فيه, فمن المُسلّم به أنه في الأوقات العصيبة يتم الاستعانة بمن قد يؤثرون على الآخرين سواء كانوا شخصيات دينية أو مشاهير لأن لديهم بالفعل جمهورًا أسيرًا في أتباعهم. فعلى سبيل المثال أكد علي محمد الأزهري عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر بالقاهرة أن منع المصاب بفيروس كورونا من أداء صلاة الجمعة في المسجد واجب شرعي وديني. للأسف ترى الجريدة في هذه المقولة طاعة مرغمة.وبالمثل، في جميع أنحاء العالم، تعتمد الدول على ذوي النفوذ للتأثير على المواطنين. قام مشاهير عده في هوليود بنشر إعلانات للتحذير من الوباء، وفي نداء عام طلب رئيس وزراء مقاطعة بريتش كولومبيا في كندا من المشاهير نشر رسائل قد تحث تابعيهم بالالتزام بالإرشادات الصحيه للمقاطعة
وحسب المقال أيضا استخدمت الحكومة السعودية الوباء لقمع الأقلية الشيعية في البلاد في محافظة القطيف، وهو تشويه للحقيقة. يصل الحجاج الشيعة إلى إيران عن طريق محافظة القطيف وبما أن معظم حالات الكورونا كانت مرتبطة بالحجاج الذين كانوا في إيران اُغلقت محافظة القطيف. في نفس الوقت تتجاهل فورين أفيرز الإغلاق التام الذي عانت منه مدن ومحافظات حول العالم ولم تعتبره وسيلة لقمع المواطنين هناك. على سبيل المثال لا الحصر إيطاليا وإسبانيا والدنمارك ومانيلا في الفلبين ومقاطعة هوبي الصينية كانوا في حالة إغلاق تام لفترة أو أخرى
وجاء أيضا في المقال أن "الوباء أتاح للسيسي فرصة لممارسة نفوذ أقوى"، حيث "عدل قانون الطوارئ في البلاد لمنح نفسه سلطة حظر التجمعات العامة أو الحد منها"، وهي أكذوبة أخرى. لابد من تذكير الجريدة أنه منذ عام 2015 يتحدث الرئيس السيسي ضد التطرف الديني ويوصى بالتغيير، ولكنه لم يتدخل في صلاحيات الأزهر أو مراجعة أيٍ من الشئون الدينية ولم يمارس نفوذه للضغط على أحد
للأسف لا جديد في كل هذا: سوف يستمر بعضٌ من وسائل الإعلام الغربي في تشويه الحقيقة بجهل وإصرار. فورين أفيرز كفى هذا الكم من الهزل والتضليل
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.