الاهرام ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠
بقلم عزة رضوان صدقي
كلمة الديمقراطية مشتقة من الكلمات اليونانيه ديموس وتعني الناس وكلمة كراتوس التي تعني القوة. الجمع بين الكلمتين توكل السلطة إلى الناس. لكن الديمقراطية الصميمه لا تتواجد إلا إذا تساوى هؤلاء الناس في الوضع والثروة والنفوذ، وبما أن هذا أمر مستحيل فإن تحقيق الديمقراطية يصبح وهمًا. في الواقع كثير من العقبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تجعل الديمقراطية مجرد سراب
نصف العالم، أي ما يقرب من أربعة مليار فرد، يعيش تحت مستوى الفقر أي ما يوازي ٤٠ جنيها مصريا في اليوم. هل هؤلاء الأفراد المنكوبون بالفقر يطبقون الاختيار بحرية ودون قيود؟ الحقيقة أن أولئك الذين يواجهون الفقر وانعدام الأمن أو الاستقرار يميلون إلى عدم المشاركه في العمليات الديمقراطية. ينطبق على هؤلاء "نظرية مازلو" التي تقول إن الانسان لا يستطيع تحقيق الذات إلا بعد تحقيق الأساسيات. فمن غير المرجح أن يعرف هؤلاء الخيارات الديمقراطية وهي درجة أعلى بكثير على سلم تحقيق الذات الذي يبدأ بالطعام والأمن ثم يمر تدريجيا بهرم من الاحتياجات حتى يصل إلى حل المشاكل وبالطبع الاختيار السليم وأخيرا يصل إلى تقدير الذات
أكثر من مليار نسمة على وجه الأرض، أميون، لا يكتبون أو يقرأون، إذن كيف يمكنهم الاختيار بحكمة وحرية؟ هؤلاء لا يهتمون بالانتخاب أما إذا انتخبوا فيختارون المرشحين لأسباب واهيه مثل أسلوب إلقائهم أو حسن مظهرهم أو حتى براعتهم الرياضية أو شهرتهم السينمائية. ربما عندما ينخفض خط الفقر وترتفع معايير التعليم ستتمتع الديمقراطية بفرصة أفضل
أعداد ضخمة من الأشخاص لا يشاركون ببساطة في أي نشاط ديمقراطي على الإطلاق، وهذا ينطبق بشكل خاص على الشباب، حيث يشك العديد من جيل الألفية في نظم الدول وما يترتب عليها. آخرون يفضلون بشكل عام السياسات التي تعزِّز وضعهم الشخصي مع القليل من الاعتبار لإصلاح الأجيال القادمة أو النتائج طويلة الأجل. لذا يكافئ السياسيون الناخبين بتحقيق المطالب الفورية على حساب النمو على المدى الطويل. في أحيان أخرى يصوِّت الناخب استراتيجيا لأنه فقط يريد القضاء على الخصم. فمثلا قد لا يعتقد الكثير أن الرئيس القادم للولايات المتحدة جو بايدن مناسب، ولكنهم لا يريدون الرئيس الحالي ترامب أن يتمكن من البيت الابيض لمدة أربع سنوات أخرى، لذا يصوِّتون هكذا. ويذكرني هذا الأسلوب بالمصريين عندما "عصروا ليمونة" ثم انتخبوا الرئيس السابق مرسي
لكن حتى في العالم الغربي، حيث لا تنطبق الأرقام المذكورة أعلاه علي الأفراد، فإن الرأسمالية تهزم الديمقراطية. في ظل الرأسمالية، المال والنفوذ يمتلكان القوة، وهذه القوة غير متاحة للأغلبية وتضعضع الديمقراطية
إن الانتخابات في الغرب من الأعمال التجارية المربحة. في عام ٢٠١٢ تم إنفاق أكثر من ٦ مليارات على الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس في الولايات المتحدة، وفي عام ٢٠١٦ أُنفق مبلغ مشابه مرة أخرى، ومن المعتقد أن تحطم انتخابات عام ٢٠٢٠ الأرقام القياسية السابقه بمبلغ ١٤ مليار دولار. كيف لا يؤثر هذا التبذير على اختيارات الناخبين؟
تشكل جماعات الضغط ومجموعات المصالح القرارات وتستخدم استراتيجيات المقايضة - أعطى ثم أخذ في المقابل - للوصول إلى أهدافهم والتأثير على نتائج الانتخابات بطريقة أو بأخرى. واحدة من أكثر جماعات الضغط تأثيرا في الولايات المتحدة، هي لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي لا يستطيع أي سياسي أمريكي - على حسب مصدر هيئة البحث العالميه جلوبال ريسيرش - أن يصل إلى مكانة مرموقة دون إثبات الولاء إلى هذه المنظمة. بمجرد تولي المنتخب منصب مرموق في الدولة الأمريكية لابد من التصويت لصالح دولة إسرائيل في كل قضية وإلا سيواجه العقاب
الشركات الكبرى هي مثال آخر على وهم الديمقراطية الأمريكية، فالملايين التي تُدفع قد تغير من نتيجة أي انتخابات. مثلا تلقت هيلاري كلينتون عندما كانت مرشحة للرئاسة الأمريكية أكثر من ٣٠٠ مليون دولار في شكل تبرعات من شركات الأدوية، ولو أنها فازت لكانت طُولبت بالدفع من قبل الشركات، وأمثال المقايضة هذه عديدة
بعد يومين فقط من إعلان فوز جو بايدن على خصمه الرئيس دونالد ترامب أعلنت شركة الأدوية فايزر عن اكتشاف لقاح ضد فيروس كورونا ثم تبعتها شركة مودرنا. هل توقيت الإعلان موثوق به ولم يتعرض إلى أي ضغوط أو حتى تحيُّز من الشركات أو رؤسائها إلى مرشح أكثر من الآخر؟
أما في مصر فقد أثار الراحل عمر سليمان، الذي تولى منصب نائب للرئيس الراحل حسني مبارك لبضعة أسابيع، غضب المصريون عندما ادعى أن المصريين "ليسوا مستعدين للديمقراطية بعد". أختلف معه: المصريون مستعدون مثل أي شخص آخر للديمقراطية إذا تواجدت الظروف الملائمة
الأهم ومع مرور انتخابات شائكة أثرت بشدة على مصر أدرك المصريون أن حق التصويت هو امتياز وليس العبء الثقيل الذي تجاهلوه لسنوات متتالية. اليوم يقلق المصريون بشأن الخيارات التي يتخذونها، وهو تغيير ١٨٠ درجة حيث إن ما تبقى في العملية الديمقراطية هو القدرة على التصويت بحرية ودون أي قيود