الاهرام ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٠
بقلم عزة رضوان صدقي
لقد مرت عشرة أشهر منذ أن غيّرت كورونا ملامح الحياة في العالم. في نفس الوقت لقد مرت عشرة أشهر منذ أن سافرت من القاهرة إلى فانكوفر، كندا في رحلة اعتيادية. اليوم أصف رحلة بعيدة كل البعد عن الرحلة الأولى: رحلة العودة إلى القاهرة
دعونا نلقي نظرة أولية على وضع كورونا الحالي في كلٍ من كندا ومصر. في كندا ارتفعت الإصابات بشكل مخيف والتدابير الاحترازية قد تغلق البلاد مرة أخرى. في شهر ديسمبر بلغ عدد الحالات الإيجابية ٥٠٠ ألف حالة مع أكثر من ١٤ ألف حالة وفاة. مع ارتفاع عدد الحالات أُغلقت تورنتو أكبر مدينة كندية، كما تم إغلاق مقاطعة مانيتوبا وإقليم نونافوت
السفر المحلي والدولي غير محبذ اليوم في كندا، وقد تم تقييد السفر بين المقاطعات والمناطق بعضها ببعض. وفي مقاطعة بريتش كولومبيا، حُظر التعامل خارج الأسرة الواحدة. هذا القرار كان مخيبا لآمال الكثيرين الذين قد بدأوا في الاستعداد لموسم الأعياد، وما هو موسم الأعياد بلا تجمعات؟
هذا في حين أن الإصابات بكورونا في مصر نسبيا متواضعة، متوسطها حوالي ٧٠٠ يوميًا بإجمالي ١٢٧ ألفا، لكن الأرقام خادعة لأن كثيرا من المصابين لا يبلغون السلطات بمرضهم. ومع ذلك لايزال وضع الوباء في الشارع المصري غريبا، فلا يوجد دليل ثابت لعدم تضخم الإصابات بسرعة أكبر. يعتقد بعض الناس البسطاء أن "ربنا سترها". والبعض الآخر مقتنع بأن حرارة الصيف هي التي أثرت في عدم تصاعد الحالات. بينما هناك من يعتقد أن الوباء كان متواجدا منذ فترة ليست بقليلة في مصر ونحن الآن في مرحلة مناعة القطيع
على أي حال بدا مفهوم السفر غريبًا لكثيرين، ومع ذلك حرصنا أنا وزوجي على الرجوع إلى القاهرة، لأن فكرة عدم القدوم إلى مصر في رحلتنا الشتوية المعتادة كانت محبطة للغاية. بمجرد اتخاذ قرار السفر أبدى الأصدقاء الكنديون الحيرة قائلين "أنتم بلا شك شجعان لمواجهة السفر الجوي" "نأمل أن يُسمح لكم بالعودة" و"السفر الان مقلق للغاية
استعدادًا للرحلة كان علينا بالمسحة PCR. إذا بدت على شخص أعراض الوباء فإن المسحة مجانية في فانكوفر. لأغراض السفر تكلف المسحة ٣٧٥ دولارًا. إلى جانب ذلك كان التوقيت جوهريًا. مصر تريد مسحة لم يمر عليها أكثر من ٩٦ ساعة، وكان هذا مصدر ارتياح لأنه لا توجد منشأة صحية في فانكوفر تضمن النتيجة في أقل من 72 ساعة، بالإضافة إلى الرحلة وهي حوالي ٢٤ ساعة أخرى. المسحة نفسها لم تكن سيئة بالقدر. تدخل الممرضة قطعة قطن رفيعة في فتحة الأنف لتصل إلى الجزء الخلفي من الأنف وتقوم بتدويرها لمدة عشر ثوانٍ. هل المسحة غير مريحة؟ نعم. مؤلمة؟ لا. مخيفة؟ بالطبع. جاءت النتائج عبر البريد الإلكتروني سلبية. جميع شركات الطيران تفرض على المسافرين الكمامات في الرحلات الجوية والمطارات
إن ارتداء الكمامة لمدة ٢٤ ساعة من السفر والترانزيت والتوجه من وإلى المطارات بدا أمرًا مستحيلا وإن كان لا مفر منه. كانت الكمامات ذات الحماية ٩٥ بالمائة مرهقة للارتداء طوال الرحلة لذلك ارتديتها أثناء الصعود إلى الطائرة وعندما كان المضيفون على مقربة. خلاف ذلك لجأت إلى الكمامة الجراحية الأخف أثناء الجلوس طوال الرحلة.أعداد المسافرين في مطارات فانكوفر وفرانكفورت والقاهرة أقل بكثير من المعتاد. كانت المطارات مظلمة والاكتئاب يهيمن عليها، حيث أغلقت المتاجر والمطاعم. في فانكوفر تم إغلاق المطار الدولي إما لتوفير الطاقة أو لإصلاح المرافق. لذلك كان على الركاب السير من أحد طرفي المطار للدخول عبر السفر المحلي للعودة إلى البوابات الدولية. في فرانكفورت لم يتم إغلاق الصالات فحسب بل المطاعم أيضًا، لذا كان من الحكمة من جانبنا إعداد وجبة خفيفة لتناولها في فترة ترانزيت التي دامت ست ساعات. ارتدى طاقم الطائرة والركاب الكمامات وارتدى العديد منهم دروعًا فوق الكمامات. لم تكن الرحلة إلى فرانكفورت ممتلئة لكن رحلة القاهرة كانت كاملة. لتجنب الازدحام تم صعود ونزول المسافرين من الطائرة عن طريق صفوف محددة. نادت المضيفة على صفين فقط وبمجرد أن هؤلاء الركاب كانوا على وشك النزول من الطائرة استدعت الصفين التاليين وهلم جرا
في مطار القاهرة اطلع الحجر الصحي على شهادة المسحة ليسمح لنا بالدخول. أخذنا سيارة من المطار إلى مصر الجديدة التي قد تغيرت كثيرًا عن العام الماضي حتى أننا ضللنا الطريق في منطقة عشنا فيها سنوات طوالا. ما كان على سائق السيارة إلا أن يلجأ إلى خريطة هاتفه للتعويض عن الضباب الذي غزا عقولنا. تتغير القواعد واللوائح بانتظام وسط الوباء. لذا قبيل العودة إلى فانكوفر يجب علينا التسجيل في موقع كندي يُعلم المسافرين القادمين بأحدث التعليمات سواء كان ذلك إغلاقًا أو عزلًا أو اختبارًا
ما زلنا في شدة الوباء ولايزال الضوء في نهاية هذا النفق الطويل والمضني بعيدًا. نتطلع إلى اليوم الذي يمكننا فيه السفر مرة أخرى دون خوف
Comments