الاهرام ١٢ ديسمبر ٢٠٢٠
بقلم عزة رضوان صدقي
انتظر العالم بشغف الجزء الأول من مذكرات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما "أرض الميعاد", لذا بيع ٨٩٠,٠٠٠ نسخة في اليوم الأول لنشرها. اختتم أوباما هذا الجزء بمقتل أسامة بن لادن في مايو ٢٠١١ ليبقي ٥ سنوات أخرى في رئاسته لم يتحدث عنها بعد
تعود المذكرات إلى جذور ودراسة أوباما ثم صعود مكانته ليصبح رئيسًا للولايات المتحدة. من غير المجدي تحليل جميع الأحداث التي سُردت، لأن أوباما استطرد كثيرا "لتوفير سياق للقرارات" التي اتخذها. عندما يتحدث عن مصر والربيع العربي يعود إلى عهد الرئيس ناصر. عندما يتحدث عن زيارته للمملكة العربية السعودية يسترجع التاريخ إلى اكتشاف النفط وعندما يتحدث عن الصراع الفلسطيني يرجع إلى وعد بلفور لعام ١٩١٧
مقدمة المذكرات تشير إلى "القوى التي أدت إلى الربيع العربي" مما زاد من فضولي، لكن المذكرات لم تركز على العالم العربي قبل ثورات ٢٠١١. في عام ٢٠٠٦ زار أوباما العراق. يقول "ما فعله المسئولون الأمريكيون بغزوهم للعراق كان خطأ فادحا". يتابع قائلاً: "لم أستطع تجاهل هؤلاء الأطفال [الجنود الأمريكيين] الذين يدفعون ثمن غطرسة الإدارة الأمريكية آنذالك التي دفعتنا إلى الحرب بناءً على معلومات خاطئة
مع ذلك فإن دور أوباما في حرب العراق ربما يكون قد تجاوز خطأ الرئيس بوش الفادح. ففي عام ٢٠١١ أمر أوباما القوات القتالية الأمريكية بالانسحاب من العراق تاركًا وراءها ساحة لعب مفتوحة أمام داعش وتوابعها. إن تخلي أوباما عن العراق يشابه الطريقة التي "حاولت بها الولايات المتحدة اللعب بالاتجاهين حيث دعمت العراق علنًا بينما كانت تبيع الأسلحة سراً لإيران" كما قال
والمناسبة الثانية التي يذكر فيها أوباما العالم العربي هي زيارته للقاهرة في يونيو ٢٠٠٩، حيث ألقى خطابا في جامعة القاهرة أطلق عليه اسم "الخطاب الإسلامي"، كان هدفه مساعدة العالم الإسلامي والعالم الأمريكي على "فهم بعضهما البعض". الترحيب الذي اسُتقبل به أوباما ثم زيارته للأهرامات جعل الزيارة "تاريخية". لكنه صرح بأن وعود الخطاب لم تتحقق بسبب فشله في الوفاء بالرؤية التي طرحها
عن فترة ما قبل الربيع العربي كشف أوباما كيف أصبحت قناة الجزيرة "مصدر الأخبار المهيمن على المنطقة بعد أن اكتسبت شعبيتها من خلال إشعال نيران الغضب والاستياء بين العرب". لكنه لم يذكر ارتباط إدارته بقناة الجزيرة. وفقًا لإحدى رسائل البريد الإلكتروني التي أرسلتها هيلاري كلينتون، ذهبت هيلاري إلى الدوحة في رحلة استغرقت يومًا واحدًا في أبريل ٢٠١٠ التقت بشكل أساسي بمسئولي قناة الجزيرة
كمقدمة لأحداث الربيع العربي يركز أوباما على الأزمة الفلسطينية. لم ينفِ حقيقة "أن ملايين الفلسطينيين يفتقرون إلى الحقوق الأساسية بتقرير المصير". ثم يقول "إن معظم الجمهوريين في الكونجرس قد تخلوا عن الاهتمام بما يحدث للفلسطينيين". أما الديمقراطيون فكرهوا "الظهور بمظهر أقل تأييدًا لإسرائيل من الجمهوريين، خاصة أن العديد منهم كانوا يهودًا أو يمثلون قطاعات يهودية كبيرة"، وأولئك الذين انتقدوا السياسة الإسرائيلية خاطرواٍ بأن يوصفوا بأنهم معادون لإسرائيل وللسامية
قال أوباما أيضا إن الجميع يخشون لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك). "نفوذ إيباك يؤثر فعليا على الكونجرس وعلى كل سياسي في واشنطن - بمن فيهم أنا". لم يكن أوباما، مثله مثل الرؤساء الأمريكيين الآخرين، قادراً على التفاوض على صفقة فلسطينية عادلة
كمقدمة لثورات ٢٠١١ لم يكن أوباما يعرف ما إذا كان يجب أن "يحافظ على الاستقرار ويمنع حدوث اضطرابات في إمدادات النفط ويمنع القوى المعادية (السوفيت أولاً ثم الإيرانيين) من توسيع نفوذهم، أو تشجيع التقدم". أما عن مصر فيقول إن الولايات المتحدة وقعت فجأة بين "حليف قمعي ولكن يمكن الاعتماد عليه وشعب يصر على التغيير". ومع ذلك فقد أدرك أن تنحي الرئيس مبارك سيخلق "فراغ سلطة مفاجئًا" بحيث لم يكن الشباب في التحرير "هم الأكثر احتمالية لملئه" وكان محقا هنا. دعا أوباما الرئيس مبارك إلى التنحي، وعلى الرغم من الاحتفال الذي اندلع في ميدان التحرير حينئذ قال أوباما "لم يكن انتقال السلطة في مصر سوى بداية صراع من أجل روح العالم العربي - صراع بقيت نتائجه غير مؤكدة"، وقد كان محقًا هنا أيضا
لا يقول أوباما الكثير عن سوريا. ربما سيأتي المزيد في الجزء الثاني لكنه يكتب بإسهاب عن ليبيا. وفقا لأوباما، بعد اندلاع المظاهرات في ليبيا، حاولت الولايات المتحدة وقف الاحتكاك بدون تدخل عسكري، لكن آثرت استخدام القوة العسكرية فيما بعد. يدّعي أوباما النجاح في ليبيا "انتهى شهر مارس دون سقوط ضحية أمريكية واحدة وبتكلفة تقريبية قدرها ٥٥٠ مليون دولار - ليس أكثر بكثير مما أنفقناه يوميًا في العراق وأفغانستان." لكن للأسف انسحاب القوات الأمريكية في نهاية ٢٠١١ خلق فراغًا مشابهًا لذلك الذي نشأ في العراق، فاستولى تنظيم داعش على الفراغ فورا
يوجد بعدُ الكثير مما يجب مناقشته فيما يتعلق بإرث أوباما في الشرق الأوسط. سننتظر الجزء الثاني
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.