الاهرام ٢٣ يناير ٢٠٢١
بقلم عزة رضوان صدقي
وقف العالم في ذهول مُشاهداً مثيري الشغب في الولايات المتحدة يتعدون على كابيتول هيل (مبنى الكونجرس الأمريكي) في مواجهة عنيفة ونادرة ضد الهوية الأمريكية المعهودة. في ذلك الوقت نُظِر إلى حرية التعبير وحقوق المحتجين وسيادة الفرد بشكل مختلف عن المألوف، ففي خضم الفوضى اختفى الأسلوب الغربي المعتاد حول حقوق الإنسان الذي تم الترويج له في العالم دائما وأبدا من قبل
لنضع جانبا دور الرئيس ترامب في كل هذا، ولنتجاهل أن قرابة من خمسين في المائة من الناخبين الأمريكيين اختاروا ترامب مرة أخرى، ودعنا ننسى خروج الرئيس ترامب المزعج من البيت الأبيض. دعونا نركز الآن على المعايير المزدوجة للحدث نفسه
لا تتلاشى الذكريات بسرعة واليوم نقارن أحداثا سابقة لأحداث اليوم. اعتبرت أحداث الشغب في كابيتول هيل مروعة ومثيرة للاشمئزاز ومخالفة لحقوق الإنسان، بينما ترحب وسائل الإعلام الغربية بأحداث شغب واضطرابات مماثله في البلدان الأخرى معتبرة إياها عادلة ومحقة
مثلا وسط الاضطرابات والفوضى التي قد تعم بلدا ما يتخذ هذا البلد إجراءات مثل إغلاق الإنترنت أو حظر مواقع حتى تحد من انتشار المعلومات المضللة، وما كان على الغرب آنذاك إلا الاعتراض على هذه التصرفات على أنها بمثابة هجوم عنيف على حقوق الإنسان الأساسية
عندما حجبت الحكومة المصرية بعض المواقع الإرهابية، اعتبرت وسائل الإعلام الغربية هذا الإجراء انتهاكًا لحق المصريين في البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها. كما لم يتم تصنيف أيٍ من المواقع التي تدعو إلى العنف والتحريض على مصر بأنها مواقع غير قانونية من قبل تويتر أو المنصات الأخرى. لكن عندما قامت مصر بغلق مثل هذه المواقع وصفتها وسائل الإعلام الغربية بوسيلة لحجب المعارضة
لكن في خطوة عجيبة تم تعليق حسابات الرئيس ترامب على جميع المنصات وعلى تويتر بالذات. حاول ترامب إيجاد منصة أخرى للتعبير عن استيائه فلجأ إلى بارلر، وهي منصة يمينيه مشجعة له، لكنها أزيلت هي الأخرى على الفور، وقد علقت إحدى المنصات على ذلك بقولها: لم تتخذ بارلر التدابير الكافية للتصدي لانتشار التهديدات، لذا علقنا اشتراك بارلر حتى يتم حل هذه المشاكل. وغرّد الرئيس ترامب: "لقد حظر تويتر حرية التعبير، والليلة، نسّق موظفو تويتر مع الديمقراطيين واليسار الراديكالي في إزالة حسابي من منصتهم لإسكاتي". التغريده اختفت على الفور
المقولات التي تدعو للفوضى عادة ما يروِّج لها الغرب على أنها حرية تعبير. لكن في المقابل تم اعتقال زعيم جماعة "براود بويز"، وهي جماعة يمينية شبه عسكرية موالية لترامب، بعد أن غرّد "عندما يخشى الناس الحكومة هناك طغيان، أما عندما تخشى الحكومة الشعب هناك حرية"
الأحداث متشابهة وردود الفعل متشابهة، ولكن ما ينطبق على هذا لا ينطبق على ذاك
كابيتول هيل له هيبته وقامته الكبرى، فهو مقر مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلسا النواب الجمهوري والديمقراطي والمحكمة العليا. بالتساوي فمقر رئاسة مجلس الوزراء المصري والمباني الرسمية الأخرى لها نفس القدر من الأهمية والقيمة للمصريين
لعدة أشهر في عام 2011 بحسب صحيفة واشنطن بوست حاول "ناشطون" أو "متظاهرون" وليسوا "مشاغبين" اقتحام المباني الرسمية المصرية بما في ذلك مقر مجلس الوزراء ووزارة الداخلية وجهاز الأمن. عندئذ قالت صحيفة الواشنطن بوست ببساطة: "نشطاء اقتحموا العديد من مباني وزارة الداخلية واستولوا على مجموعة من الوثائق". وكان بيان القوات المسلحة رداً على الانتهاكات المختلفة: أليس من حقنا الدفاع عن ممتلكات الشعب المصري التي أقسمنا أننا سندافع عنها؟
كما لم يلُم الإعلام الغربي حارقي المجمع العلمي المصري خلال نفس الفترة. كان المجمع موطنا لـ ١٩٢٠٠٠ كتاب ومجلة ومنشور، وهو مساوٍ في القيمة لمتحف السميثسونيان في واشنطن لمواطني الولايات المتحدة. تخيل لو أن الأمريكيين شاهدوا أحد مباني السميثسونيان تحترق
في الأيام القليلة السابقة لخروج ترامب من البيت الابيض طالب أعضاء الكونجرس بإقالته من منصبه. في نظرهم قد أثار ترامب الحشود ودفعهم لاختراق مبنى الكابيتول هيل. صعّدت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الضغط على نائب الرئيس مايك بنس لإقالة الرئيس من منصبه باعتباره غير لائق للمنصب أو اللجوء إلى التعديل الخامس والعشرين الذي يطيح بالرئيس. وفعلا صوّت الكونجرس على ذلك، ومرر النواب الأمريكيون لائحة اتهام ترامب بهدف عزله
جرائم الرئيس السابق مرسي أكثر إدانة وتجريمًا. هرب مرسي من السجن وسرّب أسرارا مصرية لأعداء مصر، وانحاز إلى عشيرته, الإخوان المسلمين, ضد غالبية المصريين، ووضع نفسه فوق القانون بمرسوم منحه صلاحيات بعيدة المدى، وكلها أعمال تُفسّر بالخيانة. نظرًا لأن المادة 152 من دستور 2012 تسمح بإقالة الرئيس بتهمة الخيانة العظمى، ونظرًا لعدم وجود برلمان في ذاك الوقت فقد بذلت مصر ما في وسعها لتخليص شعبها من ضلال مرسي. ومع ذلك, اعتبر الغرب أن عزل مرسي كان انقلابًا يستحق لوم مصر لسنوات عديدة.
لا تعايرني ولا اعيرك.. ده الهم طايلني وطايلك
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.