الاهرام ٩ يناير ٢٠٢١ بقلم عزة رضوان صدقي
الاختلاف واجب
بينما كنا على وشك الذهاب لتعزية صديق تُوفيت والدته، اقترح زوجي، لمعيشته في الخارج لعقود كثيرة، أن نأخذ معنا باقة من الزهور. أدهشني المنطق، فالمصريون لا ينتظرون الزهور في الحداد بل ترتدي النساء السواد ويُتلي القرآن وتنهمر الدموع، بينما المجتمعات الغربية تعدُّ إرسال الزهور إلى عائلة المتوفى بادرة طيبة جدًا. تشمل بوادر تعازي أخرى إحضار الطعام والاحتفال بحياة المتوفى وبالتأكيد عدم ارتداء الملابس السوداء. نعم إنها مناسبة حزينة هناك أيضًا لكن لا أحد يستطيع إنكار الاختلافات
بعد تخرج طالبة صينية كنت قد درست لها لعدة سنوات، هنأتها معانقة إياها بحرارة، لكن ذراعيها ظلتا مرتخيتين بجوار جانبيها طوال العناق، وأخبرتني لاحقًا أنها لم تُعانق أبدًا من قبل. الثقافة الصينية تعدُّ العناق أمرًا مخجلًا، لأن إظهار المودة في الأماكن العامة يسبب حرجًا. كذلك والدتي، السيدة المصرية حتى النخاع، لم تتعود العناق ولكنها كانت تُقبِّل الخدين دائمًا، وهو ما ينطبق على معظم المصريين. أما العناق في الدول الغربية فهو طريقة شائعة لإظهار المودة
عندما يدعو المصري شخصا أجنبيا لمنزله يقوم بعمل أصناف وأصناف من المأكولات. يصدم الغربي قائلا لنفسه: "هل يتوقع مني أن آكل كل هذا؟" المصري لا يتوقع من الزائر أن يأكل كل ما يوضع أمامه، لكن الضيافة المصرية تملي عليه ذلك. وعندما يهدي الغربي مُضيفه بزجاجة من الخل الفاخر أو بضع صابونات يرتبك المصري. الخل حامض والصابون يعني الحاجة إلى مزيد من النظافة. إحضار الحلوى ملائم أكثر
في عام 2013 عندما تفادى جورج بوش جونيور حذاء الصحفي الذي صاح قائلاً "هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب الغبي"، ومع قذف الفردة الأخرى قال "وهذه من الأرامل والأشخاص الذين قتلتهم في العراق", ركز الصحفيون الغربيون على قُدرة بوش على تفادي الحذاء متجاهلين جوهر الحدث. حتى بوش لم يتأثر كثيرا وقال مازحا إن الحذاء كان مقاس ١٠. بينما قذف الحذاء والسب بكلمة "كلب" التي هي بمثابة مصطلح مهين للعرب أثلجت صدور العراقيين كما لو كانوا ردوا بعض إهانة بوش لهم. لا أحد يستطيع إنكار مدى اختلاف المشهد في عيون العراقيين عن الغربيين
كما كرر الرئيس السيسي مرارًا أن الخلافات ظاهرة طبيعية قائلا إن مصر "ليست مثل أوروبا أو الولايات المتحدة"، وأن لها ظروفها الخاصة. وطلب الرئيس من الآخرين ألا ينسوا أن مصر تقع في منطقة مضطربة. ليس فقط الثقافات ولكن أيضًا الظروف تملي النهج في المجتمعات
تخلق القيم الثقافية أعرافًا اجتماعية مختلفة لذلك لا يمكننا أن نتوقع أن تصبح الأمم والشعوب صورًا مطابقة لبعضها البعض. في الواقع إنه أمر حسن أننا لسنا متشابهين جميعًا وإلا لكان العالم مملًا للغاية. كلما انكمش الكيان العالمي يجب تقبل الثقافات المختلفة كما هي. قد نفاجأ بالأعراف الاجتماعية المختلفة، بل قد تصدمنا لكن فرض ثقافة على أخرى لن ينجح أبدًا. ستظل معايير مثل التواضع والاستحياء والاحترام والكبرياء والحريات الشخصية وبالطبع القيم الدينيه أحجار عثرة في وجه العولمة
والأهم من ذلك هل ينتهي الأمر بفرض مجتمع ما معاييره على المجتمعات الأخرى؟ تتأثر المجتمعات غير الغربية بالثقافة الغربية، ولكن العالم ليس الغرب والغرب ليس العالم ولا ينبغي على المجتمعات تبنى القيم الغربية دون النظر إلى معاييرها وما إذا كانت ستتفق مع نمطهم الأصلي أم لا. لا ينبغي توقع الغرب قبول العالم المعايير الغربية على أنها الأفضل
القيم الغربية لا تساوي العولمة ولا ينبغي أن تكون المعيار السائد، كما ينظر البعض أحيانًا إلى الهيمنة الغربية على أنها استمرار للإمبريالية الغربية. ومن ثمَ فإن تطبيق المبادئ التوجيهية المقبولة للغرب في مجتمع آسيوي أو عربي أو أفريقي غالبًا ما يتعارض ويصطدم مع المجتمع. إلى جانب ذلك فإن الغرب له مآزقه الخاصة التي يجب اعتبارها دروسًا لا ينبغي لأحد تطبيقها معصوب العينين، التطهير العرقي والعبودية والاستعمار والعنصرية على سبيل المثال لا الحصر
أحدثت التطورات الأخيرة في القوانين في الغرب فجوة قاتمة بين الغرب والمجتمعات الأخرى. يُعدُّ الزواج المثلي والقتل الرحيم وحق المرأة في إجهاض الحمل أمورا جوهرية تعيد تشكيل المجتمعات الغربية. ليس من حق المجتمعات غير الغربية تقييم مثل هذه التغييرات الأساسية لكن من حقهم عدم قبولها أو تطبيقها
لايزال المجتمع الغربي نفسه يتصارع مع هذه القضايا، لذا فإن توقع الغرب تطبيق مثل هذه الأسس على جميع أنحاء العالم ليس عقلانيًا. يجب أن يتقبل الغرب رفض مجتمعات عدة هذه المفاهيم ولهم في هذا التصرف ما يبرره
ومع ذلك بينما تتحفظ المجتمعات في حقها في عدم التغيير والحفاظ على نمطها الأصلي فإنها محاصرة بما يتم فرضه عليها عن طريق الأفلام والمسلسلات الغربية ومنصات نتفلكس وغيرها ومواقع التواصل الاجتماعي. إنها أصعب معارك العالم: تجاور مساواة ما تعتقد الدول أنه أصول مجتمعاتها مع المؤثرات الأجنبية
أمم العالم ليست متشابهة أو مطابقة لبعضها البعض
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.