الاهرام ١٠ يوليو ٢٠٢١
بقلم عزة رضوان صدقي
يعتبر التحالف الناشئ بين مصر والأردن والعراق مكسبا ونجاحا ملموسا سياسيا واقتصاديا للدول الثلاث، وقد يكون سببا جوهريا لتغييرات ذات أهمية على المدى الطويل. لتدشين التحالف عقد قادة مصر والعراق والأردن عدة اجتماعات ناجحة في ٢٠١٩ و٢٠٢٠ قبل اجتماعهم الأخير في يونيو ٢٠٢١
في اجتماعات أغسطس ٢٠٢٠ ركز القادة على قضايا سياسية مثل التدخل الخارجي في الشئون العربية وضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية، كما ركز بشكل أساسي على القضايا التجارية والاقتصادية مثل توسيع الاستثمارات وتأمين إمدادات المياه والغذاء ووضع سياسات الطاقة وكذلك القضايا الخاصة للدول الثلاث. في أكتوبر اجتمع وزراء الخارجية لمواصلة مناقشة سبل التعاون في العديد من المجالات مثل الطاقة والكهرباء وإعادة الإعمار والأساليب التي يمكنهم من خلالها تكوين سياسة موحدة. وفي أكتوبر أيضًا اجتمع وزراء التجارة والصناعة للدول الثلاث افتراضيا لمناقشة التعاون في قطاعات مثل الصناعات الكيماوية والصيدلانية والنسيجية والسيراميك
بحلول منتصف ديسمبر وقّع العراق ومصر والأردن اتفاقية لربط شبكة الكهرباء العراقية بمصر والأردن وبدا مشروع خط أنابيب النفط من العراق إلى مصر مارا عبر الأردن طي التنفيذ. وقال وزير الخارجية العراقي: "ركزنا على سبل الاستفادة من الشركات المصرية والأردنية لمساعدة الشعب العراقي على إعادة بناء مدنهم". واقترح رئيس الوزراء العراقي الكاظمي مشروع "بلاد الشام الجديد" على أساس الاتفاقات السياسية والاقتصادية المتبادلة بين الدول الثلاث
وأخيرا جاءت قمة يونيو عندما التقى الرئيس السيسي ورئيس الوزراء العراقي الكاظمي والعاهل الأردني الملك عبد الله للمرة الثالثة. لم يزر العراق أي رئيس مصري منذ غزو العراق للكويت عام ١٩٩٠، وكانت الزيارة مؤشرا على نية مصر إحياء دورها القيادي ودليلا على النية الصادقه لإنشاء التحالف. نجحت هذه القمة الأخيرة في وضع إطار للتعاون ليس فقط على الصعيد السياسي بل على الصعيد الاقتصادي والتجاري. وحدد بيان صدر عقب القمة عزز العلاقات الاقتصادية والحيوية ومضاعفة التبادل التجاري
كثير من القضايا الجوهرية في العقود السابقه ألّمت بالعالم العربي مثل الغزو الأمريكي للعراق وثورات الربيع العربي. عندئذ مُنحت إيران وتركيا وإسرائيل فرص ذهبية لتعميق نفوذهما في المنطقة. واليوم يسعى التحالف لاستعادة السلطة والقيادة. رأس المال البشري للدول الثلاثة هو ١٥٠ مليون نسمة وهو مصدر قوه يخدم الدول الثلاث ويساعدهم في دعم بعضهم البعض. كما أن إجمالي الناتج المحلي لدول التحالف يبلغ ٥٧٠ مليار دولار، وهو سند وفرصه ذهبية للتعاون في جميع المجالات
بهذا التحالف تسترد مصر مكانتها، بينما تدعم جهود العراق في الإعمار وتزوده بالقوى العاملة والخبرة في آنٍ واحد. وبالفعل وقّعت مصر أكثر من ١٥ اتفاقية مع العراق في قطاعات مثل النفط والطرق والإسكان والتشييد والتجارة. كما سيكون الأردن حلقة وصل مهمة بين بغداد والقاهرة في أي خطوط لنقل الطاقة، وفي المقابل جدد العراق عقده لتزويد مصر بـ١٢ مليون برميل من الخام الخفيف عام ٢٠٢١. كما سيوفر هذا التحالف دعما لمصر في العديد من القضايا الحاسمة مثل التدخل التركي في ليبيا وقضية سد النهضة
أعقب الغزو الأمريكي للعراق سنوات من الاضطراب والمعاناة وتسبب في ظهور داعش والتدخل الإيراني والتركي في الشأن العراقي والفتنة الطائفية، كل هذا تسبب في انهيار العراق. اليوم يأمل العراق في استعادة مكانته واستقراره، ومصر والأردن على استعداد لدعمه في معركته هذه. العراق اليوم بحاجة إلى الحافز والحيوية لخلق ما أسماه رئيس الوزراء الكاظمي "بلاد الشام الجديدة" لإحياء الاستثمار وجذب رأس المال إلى العراق. التحالف سيعيد العراق إلى قلب العالم العربي ويساعده لمجابهة أي تدخل خارجي
مع كل هذا التوافق لازالت هناك تحديات مشتركة بين الدول الثلاث بما في ذلك محاربة الجائحة والتمكن من الحصول على اللقاحات في المرحلة القادمة، ثم محاربة الإرهاب الذي سيبقى شوكة في خاصرة الدول الثلاث لفترة أطول حتى وإن تعهد القادة الثلاثة بتعزيز التنسيق بين أجهزتهم الأمنية والاستخباراتية في مكافحته. لكن هناك عددًا من التحديات تخص كل بلد وسيتعين التعامل معها بشكل منفصل، ولكن بالتعاون مع الآخرين. على سبيل المثال بالنسبة لمصر فإن سد النهضة الإثيوبي هو العقبة الكبرى. بالنسبة للعراق فإن إعادة الإعمار هي أهم العقبات ويخشى العراق أن يلجأ وكلاء إيران في العراق إلى استخدام قاعدة قوتهم بما في ذلك فصائلهم في الحكومة والبرلمان لعرقلة التحالف العربي الجديد. وبالنسبة للأردن إنها الأزمات النقدية والاقتصادية ونقص المياه
إنه تحالف استراتيجي سيعود بالفائدة على الدول الثلاث أولا لكن مع اكتسابه القوة والصلابة سيتيح للبلاد العربية الأخرى فرصة الانضمام واكتساب المنفعة هي الأخرى
Comments