الاهرام ٢٧ نوفمبر ٢٠٢١
بقلم عزة رضوان صدقي
في زياراتي للمتاحف العالمية، أمثال المتحف البريطاني في لندن واللوفر في باريس والمتروبوليتان في نيويورك، كان دائما الفخر هو انطباعي الأول، لأن الكنوز المصرية التي كانت تعُرض بهذه المؤسسات كانت أبرز وأجمل المعروضات. للأسف كان لا يستغرقني وقتًا طويلاً حتى يحل الغضب محل الفخر. كيف جاءت هذه المتاحف بهذه الكنوز؟ كيف يتسنى لزوّار من جميع أنحاء العالم مشاهدة هذه الكنوز في دول غير مصر؟ هل أهداها المصريون لأصحابها الجدد مقابل جهود عينية، أم نُهبت ثم هُرِّبت خارج مصر؟ والأهم من ذلك هل بالإمكان استعادة مصر لكنوزها؟
المتاحف المليئة بالآثار المصرية ليست هى الوحيدة التى تتمتع بالآثار المصرية. تُزين ساحات روما ولندن وباريس ونيويورك مسلات تقف شامخة الارتفاع لتخبر العالم عن حضارة لا مثيل لها. تم إهداء مسلة ساحة الكونكورد في باريس إلى فرنسا عام ١٨٢٩، كما أهدى الخديوي إسماعيل باشا مسلة سنترال بارك بنيويورك للولايات المتحدة في ثمانينيات القرن التاسع عشر, أما روما فلديها عدد من المسلات المصرية أكثر من تلك التي في حوزة مصر، وقد تم تهريبها خارج مصر خلال الاحتلال الروماني
دعنا نعود إلى المتاحف، حيث توجد الآثار المصرية في أكثر من ٣٩ متحفًا في جميع أنحاء العالم. المتحف الوطني الهولندي للآثار يضم أكثر من ٢٤٠٠٠ قطعة. متحف إيجيزيو في تورينو بإيطاليا مخصص بالكامل للقطع الأثرية المصرية، ومتحف أونتاريو الملكي بكندا يضم ما يقرب من ٢٥٠٠٠ قطعة أثرية مصرية. هناك أيضا القطع الاستثنائية التي تنفرد بها المتاحف المميزة. يضم متحف برلين حوالي ٨٠ ألف قطعة أثرية بما فيها تمثال نفرتيتي الشهير. هذا بينما يعرض المتحف البريطاني في لندن، الذي يستقبل ما يقرب من ستة ملايين زائر سنويًا، حجر رشيد باعتباره أهم قطعة بالمتحف. فبينما كان المتحف يستعد لإعادة فتح أبوابه للزوار بعد إغلاق الوباء، وضع قائمة تضم ١٤ عنصرًا لا ينبغي تفويتها وتستحق المشاهدة، مع الإشارة إلى حجر رشيد باعتباره رقم واحد مسميا إياه بالمفتاح الذي كشف لغز الكتابة الهيروغليفية القديمة. أما بالنسبة لمتحف اللوفر في باريس فهو يضم حوالي ٥٥٠٠٠ قطعة أثرية المصرية، ولا سيما "الكاتب الجالس" وواحد أهم المومياوات المحتفظة بهيئتها الأصلية، كما يشيد الهرم الذي بُني حديثا عند مدخل اللوفر بالحضارة المصرية المتواجدة بداخله
دعنا نعترف أن هذه الكنوز تُحتفظ بعناية وتُصان على أكمل وجه، ويتم عرضها بشكل رائع، وتسمح للزوار بتقدير الثقافة المصرية القديمة. تم إهداء الكثير من القطع الأثرية المصرية المعروضة في الخارج لأصحابها الحاليين بما في ذلك معبد دندور في متحف المتروبوليتان في نيويورك. أهدت مصر المعبد إلى الولايات المتحدة عام ١٩٦٥ تقديراً لدورها في الحملة التي نقلت وأعادت تثبيت ٢٢ معبدًا آخر بعد بناء السد العالي، حيث كان سيؤدي إلى غمر هذه المعابد بالمياه. لا يمكن إنكار أن معبد دندور في مكانه الحالي يكتسب العظمة التي يستحقها. إن المعبد سفير مصري يقدم لمحة رائعة عما يستمتع بمشاهدته الزوار أثناء زيارتهم لمصر
لكن في نفس الوقت هناك العديد من المنقِّبين الذين افترضوا حقهم في الاستحواذ على ما نجحوا في التنقيب عنه. آنذاك تم تهريب القطع الاستثنائية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين بطريقة أو بأخرى من مصر، وانتهت في برلين أو لندن أو باريس. ومن المخيِّب للآمال أنه من غير المحتمل أن تعترف المتاحف المقتنية لهذه الآثار بأحقية مصر وبالأخص المميز منها مثل حجر رشيد وتمثال نفرتيتي. ومع ذلك يجب على مصر أن تواصل السعي لاستعادة الآثار التي لا يمكن تعويضها
عندما دعت مصر متحف برلين لإعادة تمثال نفرتيتي، كان الرد أن التمثال يستحق البقاء في ألمانيا، على الأرجح بالافتراض أن التمثال أفضل حالًا هناك. كما يشير أحد المواقع إلى أن المتاحف المصرية، على الرغم من وجود العديد منها، غالبًا ما تكون أصغر من الكثير من المتاحف الأخرى الموجودة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا. لكن الآن بعد أن قامت مصر ببناء المتحف المصري الكبير الذي يعتبر هو الأكبر في مصر وفي العالم فمن المناسب أن تعود هذه القطع الأيقونية إلى الوطن. كذلك في أبريل ٢٠٢١ افتُتح المتحف الوطني للحضارة المصرية لإيواء ٢٢ مومياء ملكية، بما في ذلك مومياء الملك رمسيس الثاني والملكة حتشبسوت. كلا المتحفين جديران بإيواء القطع النادرة والهامة المعروضة في البلدان الأخرى
يجب تسليط الضوء دائما وأبدا على حتمية إعادة الكنوز المصرية المفقودة. على الأقل حتى يتبين لزوار هذه المتاحف الملكية الحقيقية لهذه المقتنيات