الاهرام ٢٥ ديسمير ٢٠٢١
بقلم عزة رضوان صدقي
نحن كبشر نؤثر على بعضنا البعض بدرجة أكبر بكثير مما ندرك، سواء كان ذلك بسبب وباء أو اضطراب سياسي أو تداعيات تغيُّر المناخ أو أزمات اقتصادية فإن العواقب تترك بصماتها علينا في جميع أنحاء العالم
يبدو أن عالمنا أصغر بكثير مما كنا نتخيل، وما يؤثر على بلد ما في أحد أطراف العالم يؤثر على بلاد أخرى في الطرف الآخر البعيد. المثل المؤيد لهذه الفكرة هو كيف انتشر وباء كوفيد بسرعة من بلد إلى آخر. ثم الآن يظهر متحور أوميكرون في أنحاء العالم على الرغم من حظر السفر وإغلاق الحدود وتكثيف اللقاحات والعديد من الإجراءات الاحترازية
لهزيمة الوباء يجب أن يُحصَّن الجميع ضده لأننا عرضة له بشكل متساوٍ. التحدي إذن هو إتاحة اللقاح ليس فقط للبلدان المتقدمة بل للبلاد الأقل نموًا أيضا. السرعة التي ينتقل بها الوباء من منطقة إلى أخرى هي دليل على أن لا أحد في مأمن ما لم يكن الجميع آمنين
حديثنا اليوم ليس عن وباء كوفيد في حد ذاته لكن عن اتساع عالمنا والطريقة التي يتردد بها صدى الأحداث من منطقة إلى أخرى على بعد آلاف الأميال. الأدلة تتواجد حولنا. فمثلا من المؤكد أن الاحتباس الحراري سوف يأخذ منعطفًا يزداد سوءًا مع الوقت إلا أن المسببين الأوائل للاحتباس الحراري ليسوا هم الذين سيعانون منه بل على العكس تمامًا. تحذير رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن المجتمعات الساحلية مؤلم لكنه واقعي: "سوف نقول وداعا لمدن بأكملها، ميامي والإسكندرية وشنغهاي ستغرق جميعها تحت الماء". ومع ذلك فإن الإسكندرية ليست مصدرًا رئيسيًا لانبعاث الكربون ولكنها ستعاني من الإجراءات التي يرتكبها الآخرون في أماكن بعيدة كل البعد مما يدل على أننا جميعًا في هذا معًا
مع الاحتباس الحراري قد لا تستطيع بعض المحاصيل تحمُّل الحرارة التي ستسبب نقصًا كارثيًا في الغذاء. عندئذ من المرجح أن تنخفض إنتاجية المحاصيل الغذائية الرئيسية مثل الذرة والقمح. كما أن حرائق الغابات والظروف المناخية الجافة في البلدان المنتجة لهذه المحاصيل سوف تؤدي إلى ارتفاع أسعار القمح مثلا إلى مستويات قياسية مؤثرا على مستوردي القمح مثل مصر وتركيا وإندونيسيا الذين سيتضررون بشدة
وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) ارتفعت أسعار الغذاء العالمية بنسبة ٣٣ في المائة تقريبًا في عام ٢٠٢١. فمع الوباء وزيادة الانبعاث الحراري والتلوث سيعاني المنتج الغذائي من آثار خطيرة تُظلم فيها البلاد المحتاجة حيث سترتفع أسعار الطاقة والسلع بحدة. إذن نحن مطالبون جميعًا بالعمل معًا لدعم التكيُّف والتخفيف من تغيُّر المناخ ليس في بلادنا فقط ولكن في جميع أنحاء العالم
أثار تعطيل الملاحة في قناة السويس عند جنوح السفينة إيفرجيفن في أبريل الماضية تسبب في تداعيات عالمية. تعطلت سلسلة التوريد بالفعل وكشف تحليل شركة التأمين الألمانية أليانز أن تعطيل الملاحة في القناة كلف التجارة العالمية ما بين ٦ مليارات دولار إلى ١٠ مليارات دولار في هذه المدة
تنتشر معظم اّفات النباتات عن طريق السفر والتجارة العالمية. عندما تنتقل البضائع والسلع عبر الحاويات البحرية وأنماط الانتقال الأخرى من منطقة إلى أخرى، فإنها تنقل أيضًا آلاف الآفات أحيانًا إلى مناطق لا ينبغي تواجدها فيها. فيروس غرب النيل الذي تواجد أولاً في أوغندا انتقل إلى أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط عبر الحاويات. ثم تم إدخال خنفساء الخشب التي يعود أصلها إلى الصين وجمهورية كوريا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا مع الصناديق والكراتين الخشبية الموبوءة. تواجد الآفات هو نتيجة خطيرة للتجارة العالمية، وقد تسبب في انقراض النباتات المحلية وتتنافس مع المخلوقات المحلية على الغذاء وتدمر البيئة وفي بعض الحالات تشكل خطرًا على البشر. وبفضل الحركه العالمية المتزايدة لعالمنا تم اكتشاف المزيد من الحشرات والحيوانات في الأماكن التي لا تنتمي إليها
وجه إيجابي لانكماش العالم نجده عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تكشف لنا يوميا عن الثقافات والأنماط المعيشية الأخرى. تواصلنا ببعضنا البعض عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي يثرينا جميعا ويربط بعضنا ببعض حتى وإن كنا لا ندرك مقدار الذي نحصل عليه عبر هذه وسائل لأننا نعتبرها أمرًا مفروغًا منه في عصرنا الحالي
كل شيء على الأرض متصل. البشر والمخلوقات الأخرى والطبيعة مترابطة، لأنه بالفعل عالمنا عالم صغير. مقولة الدالاي لاما تعزِّز هذه الفكرة: لأننا جميعًا نشارك في كوكب الأرض فعلينا أن نتعلم كيف نعيش في وئام وسلام مع بعضنا البعض ومع الطبيعة. هذا ليس مجرد حلم بل ضرورة