الاهرام ٢٢ يناير ٢٠٢٢
بقلم عزة رضوان صدقي
يواصل الإعلام الغربي إشاعة الادعاءات الكاذبة عن مصر. فقد نشرت وكالة الأنباء الفرنسية مقالا عن مصر وتداولته وكالات الأنباء الأخرى، وقد جاء في العنوان: الولايات المتحدة تعتقل رجلاً بتهمة التجسس على معارضي مصر السيسي
الموضوع واقعي. من المحتمل أن يكون بيير جرجس، المصري المتهم بالتجسس، قد جمع معلومات عن أشخاص يهددون أمن مصر. سوف نتعمق في هذه القضية لاحقًا. الشيء الغريب حقًا الذي يستحق التركيز عليه هو الصياغة في العنوان والمحتوى
لنبدأ بالعنوان.. عبارة "مصر السيسي" مقصودة ومحسوبة. إنها تثير صورة نظام استبدادي حيث يهيمن شخص واحد فوق الأمة بأكملها. لم يشر عنوان المقال مثلا الي "رئيس مصر"، لانه لن يكون سلبيا بالقدر الكافي. أما "مصر السيسي" فهو عنوان أكثر تعمداً وغلظة. لكن إذا كانت نية الإعلام الغربي خلق انطباع سيئ لدى الشعب ضد الرئيس السيسي بفقدانه بلده لشخص واحد، أخشى أن جهودهم لم تلق آذاناً صاغية
يشير المقال إلى أن السلطات الأمريكية "تتبعت وحصلت على معلومات بشأن المعارضين السياسيين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي". تهمة التجسس ليست مرتبطة بأي حال من الأحوال مباشرة برئيس الدولة ومع ذلك فإن وسائل الإعلام الغربية مبدعة للغاية في محاولة توريط الرئيس في كل فعل ما وبالذات الأمور المشكّكة في أمرها. هذا الأسلوب مقصود ويسبقه الإصرار المتعمد
ماذا عن معارضي مصر نفسها؟ هل هؤلاء المعارضون السياسيون ضد رئيس مصر فقط أم هم ضد مصر بشكل عام؟ تم اختيار الصياغة لإثارة المزيد من المعارضين لمصر وتحريض الآخرين على اتباع نفس المسار. إنه نمط تكيفت معه وسائل الإعلام الغربية لفترة طويلة لدرجة أنه أصبح غير مؤثر تقريبًا
وتستمر الفبركة. كان جرجس قد أرسل معلومات بشأن "ناشط مناهض للسيسي" "حصل عليها من الحكومة المصرية ووفرها إلى منفذي القانون الأمريكيين". في اعتقادي أن إبلاغ المعلومات إلى ضباط تنفيذ القانون الأمريكيين هو أمر إيجابي لكن هؤلاء الضباط لا يبالون بما قد يصيب مصر من هؤلاء "المناهضين"، ولا يبالون بحق مصر في ملاحقة كل من تسوِّل له نفسه إيذاء مصر أينما كان
المقال غير مهضوم ويمتثل إلى الإهمال والغباء وفشل فشلا كبيرا في خلق الذريعة
ثم نأتي إلى مفهوم "التجسس". لكي نكون واقعيين لنعترف بأن جميع الدول تقريبا تحاول حماية نفسها ومواطنيها واقتصاداتها وحدودها عن طريق أجهزة المخابرات. لكن من المضحك أنه إذا أشارت وسائل الإعلام الغربية إلى الجواسيس الغربيين يطلق عليهم "أعضاء أجهزة المخابرات" بينما في حالة مصر فهم ليسوا سوى جواسيس
هذا لا يجعل التجسس مقبولًا من الناحية الأخلاقية، لكنه يخبرنا بأنه موجود. يقول تقرير صادر عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير، "لقد أتاحت التغييرات في التقنيات أيضًا فرصًا جديدة لمراقبة الدول والتدخل في الحياة الخاصة للأفراد". ووفقًا لمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي فإن عددًا متزايدًا من الدول ينشر أدوات مراقبة متقدمة لمراقبة وتتبع المواطنين
كما تمتلك الولايات المتحدة شبكة استخبارات أكثر شمولاً وتطوراً بين جميع الدول. تقول البي بي سي "تتجسس الولايات المتحدة على العالم بأسره". وكأداة لحد الإرهاب قامت الولايات المتحدة بمراقبة الأفراد الأمريكيين وغير الأمريكيين والدول الأصدقاء منهم والأعداء. في وقت من الأوقات راقبت الولايات المتحدة المندوبين الفرنسيين في الأمم المتحدة وكذلك هاتف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل
المثال الأمثل لهذا يتواجد في قضية إدوارد سنودن. كان يعمل سنودن كخبير في وكالة الأمن القومي الأمريكية عندما قرر الإفصاح عن آلاف الوثائق عالية السرية المتعلقة بوكالات المخابرات الأمريكية ومقدار المراقبة التي تجريها. يقول سنودن إن وكالة الأمن القومي لم تكن تجمع معلومات عن المجرمين والجواسيس والإرهابيين والأشخاص ذوي القيمة الاستخبارية فحسب، لقد كانوا يجمعون معلومات عن الجميع في كل مكان طوال الوقت لأنه لا يعرف أبدًا ما قد يثبت أنه هام فيما بعد. وإذا فاتت الفرصة فقد لا تحصل على فرصة أخرى
القضية التي دوّنها المقال جديرة بالملاحظة والمتابعة لأن الولايات المتحدة تتهم مصريا ذا جنسية مزدوجة بالتجسس. ما هو غير مقبول هو الإدراج المتعمد والغير محله للرئيس السيسي في القضية، وهو تكتيك غير ذي صلة ولا علاقة له بالموضوع
تعدُّ الموضوعية وعدم دعم البعض ضد البعض الآخر أمرًا أساسيًا حتى تتمكن وسائل الإعلام من الاستمرار في لعب دورها الأساسي وهو كشف بواطن الامور للقراء. بمجرد تحريف المعلومات والتلاعب بها تصبح وسائل الإعلام أداة مثيرة للانقسام والبغيضة. عندها يقوم القراء بتجاهل المصادر المشكوك فيها تمامًا
Comments