الاهرام ٣٠ ابريل ٢٠٢٢
بقلم عزة رضوان صدقي
صور الجثث المتناثرة في شوارع بوتشا بأوكرانيا والمقابر الجماعية للمدنيين المقيدين بالأيدي والأرجل دفعت العالم إلى اتهام القوات الروسية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية
الغضب الدولي من عمليات القتل هذه مفهوم، وقد أعرب قادة العالم عن إدانتهم لها . دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى محاكمة بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب قائلاً: "إن ما يحدث في بوتشا أمر شائن". أما رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون فقال إن "الهجمات التي تشنها روسيا على المدنيين هي دليل أكبر على جرائم الحرب". إلا أنه قبل محاسبة مرتكبي جرائم الحرب الحاليين لابد من محاكمة مرتكبي جرائم الحرب السابقين فالمُساءلة مطلوبة لكل من تطاول على الأبرياء
توفر اتفاقيات جنيف مبادئ توجيهية يجب الالتزام بها أثناء الحروب بعضها موضح أدناه. بموجب الاتفاقيات يجب على القوات المقاتلة ألا تهاجم المدنيين عمدًا أو تستخدم التعذيب. كما يجب ألا تستخدم أسلحة كيماوية أو بيولوجية وتحترم حياة وحقوق المحتجزين والأشخاص غيرالقادرين على أداء واجباتهم القتالية أثناء الحرب
اليوم سوف نقارن أحداثا سابقة بالأحداث الحالية على أمل وضع الأخيرة في منظورها الصحيح وستدعم اتفاقيات جنيف موقفنا هذا. بكل إنصاف إذا لم تتم محاسبة الجناة السابقين في جرائم الحرب على المخالفات التي اُرتكبت فكيف يمكن تطبيق مثل هذه الاتهامات على الجناة الحاليين؟
أثناء حرب الخليج في فبراير ١٩٩١ تعرض الجنود العراقيون المنسحبون من الكويت إلى هجوم شرس من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على ما أصبح يُعرف باسم "طريق الموت"، وهو الطريق السريع بين مدينة الكويت وحدود العراق. أدى الهجوم إلى تدمير شامل لآلاف المركبات ومقتل ركابها. عدد المركبات التي دُمرت يُقدر بنحو ٢٠٠٠ مركبة وعدد شاغلي المركبات يُقدَّر على الأقل بعدد مماثل للمركبات. لمدة عشر ساعات طاردت قوات التحالف الجنود العراقيين الفارين مسفرة عن مشهد مروِّع وغير إنساني لآلاف المركبات المحترقة والجثث المتفحمة المتناثرة على طول الطريق السريع. كانت قوات التحالف على علم بأن الجنود المنسحبين ليس لديهم القدرة أو النية للتفاعل مع الهجوم وأنهم عاجزون عن خوض القتال. لذلك وجب إدانة قوات التحالف واعتبارهم جناة حرب
اتفاقيات جنيف تقول:"لا لتعمُّد مهاجمة المدنيين". إذا كان الرئيس الروسي بوتين سيُتهم بارتكاب جرائم حرب فيجب أن يُتهم الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بارتكاب جرائم حرب على خلفية آلاف القتلى الذين سقطوا خلال غزو العراق الذي أسفر عن مقتل ٧١٨٦ مدنيا عراقيا خلال الشهرين الأولين
مقال بقلم المحامي البريطاني مايكل مانسفيلد على شبكة سي إن إن في عام 2013 بعنوان "لماذا يجب اتهام بوش وبلير بارتكاب جرائم حرب بسبب غزو العراق؟" يوضح أسباب وجوب محاكمة بوش وبلير بتهمة ارتكاب جرائم حرب بموجب القانون الدولي. وفقًا لمانسفيلد كان الهدف من غزو العراق هو الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين لكن تغيير النظام مهما كان مرغوبًا فيه لا يسمح به ميثاق الأمم المتحدة. للتحايل على ذلك اختلق بوش وحلفاؤه وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وفقًا للمادة 8 من ميثاق الأمم المتحدة "شن هجوم مع العلم أن تأثيره من المحتمل أن يتسبب في وفاة أو إصابة المدنيين سيجعل الجاني عرضة للمحاكمة". يقول مانسفيلد: إن استخدام القنابل العنقودية واليورانيوم المنضب في العراق من قبل قوات التحالف ضد المدنيين يندرج ضمن هذا التعريف.
تقول الاتفاقيات "لا للتعذيب". إنما الجرائم التي اُرتُكبت في العراق لم تتوقف مع غزو البلاد وفقد الآلاف من الأرواح. تم استخدام "أساليب الاستجواب المعززة"، أي التعذيب، بالكامل. فضيحة سجن أبو غريب هي دليل على المدى الذي وصلت إليه الوحشية والانتهاكات في العراق. الصور التي نُشرت في عام ٢٠٠٤ عما كان يحدث في أبو غريب مخزية وغير إنسانية حيث تُظهر سجناء عراة مكدسين في أكوام، وسجناء مقيدين مثل الكلاب وكلاب تنقض على السجناء وأكثر الصور اشمئزازا كانت لرجل مقنع ممسكاً بأسلاك كهربائية. مرتكبو جرائم سجن أبو غريب حوكموا وأدينوا في الولايات المتحدة ولكن لم يتم محاكمتهم في محكمة دولية. في الواقع فإن فكرة توجيه الاتهام لمجرمي أبو غريب في محكمة دولية لم تخطر ببال أي شخص. لكن اليوم بسبب الجرائم التي حدثت في بوتشا قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إنه سيفتح تحقيقًا في جرائم الحرب التي ارتكبها الجنود الروس
بدون محاسبة الجناة السابقين على جرائم الحرب التي ارتكبوها وتطبيق المساءلة عليهم لا ينبغي محاسبة الجناة الحاليين على جرائمهم