الاهرام
الموريتانى
فى عام 2021 استوجبت قصة محمد ولد صلاحى سجين جوانتانامو لمدة أربعة عشر عامًا عمل فيلم هوليودى سُمِّى الموريتانى، وحاز العديد الجوائز. اليوم بُعثت قصة صلاحى من جديد لمقاضاته الحكومة الكندية بمبلغ 35 مليون دولار لدورها فى احتجازه
حصل صلاحى الموريتانى الأصل على منحة دراسية لدراسة الهندسة الكهربائية فى ألمانيا فى الثمانينيات. وفى التسعينيات سافر من ألمانيا إلى أفغانستان لدعم المجاهدين ومكث ضمن المجموعات التى كان الغرب يروِّج لها كمقاتلين من أجل الحرية ضد الغزاة السوفيت. ذهب إلى أفغانستان مرتين، وخلال زيارته الثانية تدرب فى معسكر للقاعدة لكن مع مغادرته أفغانستان قطع علاقاته مع القاعدة
عندما رفضت ألمانيا منحه تأشيرة عودة ذهب صلاحى إلى كندا وأقام هناك لفترة وجيزة، لكنه بات محط اهتمام الحكومتين الأمريكية والكندية لقربه من العديد من الشخصيات والأحداث الجهادية
كان ابن عمه محفوظ ولد الوليد أحد مساعدى أسامة بن لادن، وخاطب أبو حفص ابن عم آخر عبر هاتف بن لادن الذى تتبعته الولايات المتحدة. ثم فى مونتريال بدأ إمامة الصلاة فى مسجد، حاول جهادى - كان يتردد على نفس المسجد - تهريب متفجرات عبر الحدود الأمريكية لتفجير حقائب داخل مطار لوس أنجلوس
ومن ثم فالكثير كان يعمل ضد صلاحى، وبدأت المخابرات الكندية فى استجوابه واستنتجت الحكومتان الأمريكية والكندية أن صلاحى كان زعيم خلية القاعدة فى مونتريال بكندا، وأنه لربما ساعد فى تجنيد خاطفى طائرتى كارثة 11سبتمبر. عندئذ قرر صلاحى العودة إلى موريتانيا فى ٢٠٠١
بدأت معاناته مع رحلة العودة إلى موريتانيا. احتجزته الولايات المتحدة وتم استجوابه فى موريتانيا. ثم من خلال برنامج الترحيل السرى الذى عن طريقه يُرسَل المجرم أو الإرهابى المشتبه به إلى بلده ليتم استجوابه هناك، تم إرسال صلاحى إلى أفغانستان للاستجواب. ونُقِل لاحقًا إلى سجن جوانتانامو حيث مكث 14 عامًا. فى جوانتانامو تعرض صلاحى لما يسمى تقنيات الاستجواب المعززة أى التعذيب والإذلال، مثل الحرمان من النوم والعزلة ودرجات الحرارة القصوى والضرب والوقوف القسرى والضجيج المستمر والاعتداء الجنسى، وتم توثيق عملية إعدام وهمية ضده حيث تم تعصيب عينيه ونقله إلى البحر فى قارب. ولذلك رفض القضاء محاكمة صلاحى لأن التصريحات الجوهرية التى تجرِّمه جُمعت خلال التعذيب مما يجعلها غير مقبولة بموجب القانونين الأمريكى والدولى
ومع ذلك لم يُفرج عن صلاحى إلا فى عام 2016، بعد أن ظل محتجزًا لمدة 14 عامًا دون أن تثبت عليه أو تُوجَه إليه أى تهمة على الإطلاق. فى عام 2005 أثناء وجوده فى جوانتانامو كتب صلاحى مذكراته بعنوان مذكرات جوانتانامو، صورت ما خضع له. هذه المذكرات صارت أكثر الكتب مبيعًا فى العالم وتم تحويلها إلى فيلم سُمِّى الموريتانى. لا يقتصر الفيلم على تصوير قصة صلاحى المؤلمة والمعاناة والتعذيب الذى واجهه، ولكنه يصور أيضًا الظروف المروعة فى سجن جوانتانامو. تعود قصة صلاحى إلى الظهور اليوم لأنه قرر مقاضاة السلطات الكندية بشأن دورها فى سجنه وتعذيبه، ويتهم السلطات الكندية بتقديم معلومات خاطئة للأمريكيين مما أدى إلى اعتقاله وسجنه لاحقًا
تشير أخبار سى تى فى الكندية إلى بيان الادعاء، يقول فيه صلاحى إن معلومات من قبل وكالة التجسس الكندية وقوة الشرطة تم تغذيتها للمحققين الأمريكيين. وتنص الوثيقة أيضًا على أن تعذيبهم له أدى إلى اعتراف كاذب بشأن خطة لتفجير برج سى إن فى تورنتو، وهو مكان لم يسمع صلاحى عنه من قبل. وتشير الادعاءات أيضًا إلى أن المحققين ضغطوا عليه بخصوص مكالمة هاتفية فى مونتريال دعا فيها شخصًا لتناول الشاى وطلب منه إحضار سكر معه. أصر المحققون على أن طلب السكر كان رمزًا للمتفجرات
يقول صلاحى: بدون كندا لم أكن لأُختطف أبدا أو أتعرض للتعذيب. فى مقابلة مع سى بى سى الكندية قال أيضا: أتيت إلى كندا لطلب الحماية مدركًا جيدًا أن الأمريكيين كانوا يراقبوننى بسبب صِلاتى
هذه القصة حدثت بسبب حلقة مفرغة من المعلومات الاستخباراتية المعيبة وما يسمى بتقنيات الاستجواب المعززة للمشكوك فى أمرهم. يقول الكاتب كريس رينولدز إن الحكومة وإدارات الأمن القومى الكندية قد شاركت فى تعذيب رجل لم يرتكب أى خطأ، وكان المسئولون على علم بذلك وحاولوا عدم كشف هذا الأمر للكنديين. محنة صلاحى تشبه قصة 779 سجينًا اعتُقلوا لسنوات فى جوانتانامو منهم 16 فقط اتُهموا بارتكاب جرائم جنائية ولا يزال 39 منهم محتجزين حتى اليوم.
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments