الاهرام: الانقسام.... ماذا سيؤدي بامريكيا؟
بقلم عزة رضوان صدقي
أكثر من أى وقت مضى الأمريكيون منقسمون داخليا فى الرؤى والمبادئ والحقوق، والمجتمع ككل على خلاف مع بعضه البعض. ينتج عن ذلك مرارة شديدة ويتبعها غضب جارف. كيف استطاعت القوة العالمية الأكبر فى العالم أن تدفع مواطنيها إلى هذا المستوى من العداء الداخلي؟
وجهات نظر الأمريكيين حول العديد من القضايا الداخلية، مثل العنصرية واستعلاء البيض وامتلاك السلاح, على سبيل المثال لا الحصر, متباعدة تماما. البعض مع والبعض الآخر ضد، ويتحول هذا الانقسام إلى غضب ثم إلى احتجاجات واشتباكات تتسبب فى مقتل الأبرياء. الوضع اليوم كارثى
على الرغم من كونها أكثر المجتمعات تنوعًا عرقيًا، إلا أن أمريكا, اليوم, تواجه اضطرابًا بسبب هذا التنوع. قد يكون استعلاء البيض هو أصل الكثير من الانتهاكات ضد الأعراق الأخرى. هذا التعصب يتدفق إلى الشارع، فقد تم خنق جورج فلويد, الرجل الأسود ذى الـ46 عامًا, تحت وطأة قدم الشرطى الأبيض فى ٢٠٢٠، ومؤخرا أطلق عنصريٌ آخر النار فى حى يقطنه الأغلبية السوداء فى بوفالو فى نيويورك وقتل ١٠ أشخاص. ما بين هذا الحادث وذاك مئات المجازر العنصرية التى خلّفت وراءها اليأس والبغضاء. حاولت السلطات الأمريكية مؤخرا وضع الأقليات العرقية فى المقدمة لتصبح أكثر تكافؤًا مع الأغلبية البيضاء، ومن ثم تم انتخاب رئيس أسود فى عام 2009. الجميع اعتبروا هذا إنجازا عظيما لكنه لم يتقدم بالوضع بما فيه الكفاية، لأن الحواجز العرقية لاتزال مرتفعة كما كانت فى أى وقت مضى. ومن ثم أصبحت الحركة السياسية والاجتماعية «حياة السود مهمة»، التى تسعى إلى تسليط الضوء على التمييز ضد السود، واحدة من كبرى الحركات فى تاريخ الولايات المتحدة. بعد كل حادثة عنصرية وحشية ضد السود تتبعها احتجاجات حاشدة
فى غضون ذلك يشعر كثير من البيض بالتغيُّر فى التركيبة السكانية، ويعتقدون أنهم لم يعودوا المهيمنين على الوضع وأنهم مهددون, مع تمكين الأقليات, بالتهميش وأن التحيز ضدهم آخذٌ فى الازدياد. الإحباط هذا يتدفق إلى الشوارع المليئة بالبنادق والكراهية. ينص التعديل الثانى للدستور الأمريكى على أن: «وجود ميليشيا جيدة التنظيم يعتبر ضروريا لأمن دولة حرة، وحقوق الناس فى الاحتفاظ بالأسلحة وحملها لا يجوز انتهاكها». هذا يجعل الوصول إلى الأسلحة أمرًا قانونيًا وفى غاية السهولة. وللأسف تزداد ملكية السلاح اليوم بسبب شعور الأفراد بعدم الطمأنينة. هذا الشعور دفع المزيد من النساء ومن هم دون سن الرشد والأقليات إلى تسليح أنفسهم. وبالطبع زيادة ملكية السلاح هذه أدت إلى ارتفاع عمليات إطلاق النار بنسبة 96.8٪ بين عامى ٢٠١٧ و٢٠٢١، وتتم فى الشوارع فى وضح النهار وفى البلدات الصغيرة والمتاجر الصغيرة وحتى المستشفيات والمدارس والكليات. قبل أسابيع قليلة فقط قتل شاب يبلغ من العمر 18 عامًا 19 طفلاً ومعلمتين بالرصاص فى تكساس عندما اقتحم مدرسة ابتدائى. هذا الكابوس يتكرر يوميا
مع كل انتخابات رئاسية وانتخاب رئيس جديد يتسع الصدع وتزيد حدة الانقسام. أعرب الرئيس السابق, دونالد ترامب, عن عنصريته فى خطاباته ثم فى أفعاله, التى قد تكون قد أدت إلى أعمال شغب مبنى مجلس الشيوخ فى 6 يناير 2021. كما أعرب الرئيس السابق عن حق الأمريكى فى حمل السلاح, وتواجد مؤخرا فى الاجتماع السنوى لجمعية حمل السلاح، مع العلم أن الرئيس الحالى بايدن دعاإلى حظر الأسلحة والحد من عنفها وقد وجه مؤخرا نداء شديد اللهجة من أجل قوانين أكثر صرامة للأسلحة النارية قائلا: «ما حجم المذابح التى نحن على استعداد لقبولها؟». الاختلاف واجب لكن بهذه الحدة يصبح الاختلاف مقلقا للغاية. وفقًا لمركز بيو للأبحاث، فى 2021 لم تكن آراء كلٍ من الديمقراطيين والجمهوريين غير متطابقة لبعضهم البعض فقط، بل كانوا كارهين لبعضهم البعض. ويفكر كل طرف ليس فقط فى تدمير شرعية الطرف الآخر، لكنّ كليهما كانا يتجاهلان ما قد يكون لمصلحة الولايات المتحدة نفسها. نادرا ما يقوم الطرفان بتوحيد قواهما أو تجاهل خلافاتهما من أجل مصلحة المواطنين. العداء السارى بين الحزبين والكارثة هى أن تباعد الأيديولوجيات واستمرار الحدة بينهما يتسبب فى اختلال النمط الديمقراطى الذى كان متداولا ويتسبب فى قلة ثقة الأمريكيين بالسياسيين والقادة وثقتهم ببعض. فى غضون ذلك ثقة العالم بالولايات المتحدة تتأثر بهذا الخلل الداخلى وصراعاته المريرة ويستنتجون أن الهيمنة الأمريكية العالمية على المحك أيضا. هل يستطيع الأمريكيون لم الشمل والتعايش؟ هى رغبة ملحة فى هذه الآونة لكنها تحتاج مجهودا شديدا.
عندما يتلاعب الخوف والغضب بالأشخاص يصبح التعايش الآمن بعيد المنال
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.