الاهرام
فى نهاية المطاف كلنا نعود
فى مطلع شهر يونيو الماضى أعلن أسطورة الإسكواش المصرى محمد الشوربجى أنه سيلعب من الآن فصاعدًا لمنتخب إنجلترا بدلاً من مصر قائلا: أنا متحمس حقًا لتمثيل إنجلترا الآن وقال أيضًا: بصفتى مواطنًا بريطانيًا، سأقدم كل ما بوسعى لدولة دعمتنى لسنوات عديدة
فى عام ٢٠٠٦، بدأ الشوربجى، وهو لا يزال شابًا، بلعب الإسكواش بتمثيل مصر. وعندما بلغ الخامسة عشرة توجه إلى إنجلترا للدراسة وأمضى سنوات طوالا هناك وأصبح مواطناً إنجليزياً العام الماضى. قضى الشوربجى سنوات فى صدارة التصنيف العالمى ووصل إلى المركز الأول فى ٢٠١٤، ثم ٢٠١٨ ومرة أخرى فى ٢٠٢٠، ثم ٢٠٢١. ظل أفضل لاعب اسكواش فى العالم لمدة ٥٠ شهرًا
شن المصريون هجوما عنيفا على الشوربجى فى وسائل التواصل الاجتماعى بسبب تفضيله اللعب باسم دولة إنجلترا واعتبروه خائنًا. الغالبية كانت غاضبة لقراره هذا والقلة القليلة أعطوا الشوربجى حق اللعب لأى بلد يختاره
المعضلة الوحيدة التى وقفت أمام الشوربجى فى قراره هذا هى أنه شخصية عامة، ولكن, بكل إنصاف, عدد المصريين المتواجدين بدول أخرى هم بالملايين. لم يكن تصرف الشوربجى تحديًا أو لامبالاة أو خيانة لكنها كانت فرصة شخصية، وهو ما يفعله الكثيرون من المصريين
عندما يحصل المصريون على المواطنة المزدوجة بالهجرة فإنهم ملزمون بالولاء للدول التى اختاروا العيش فيها أو أن يصبحوا مواطنيها، ويكونون مواطنين مخلصين, يغنون الأناشيد الوطنية لهذه البلدان ويلتزمون بالقانون ويعملون نيابة عنها أيضا. إنهم لا يعيشون فى دول أخرى ويسعون إلى الكسب من ورائها ولا يشيدون بالدول المانحة. إنه لأمر متبادل فكما تدين تدان
المصريون الذين سافروا للدراسة فى الخارج ومكثوا خارجها أكثر بكثير مما يمكن للمرء أن يحصى. المرحوم الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل والدكتور فاروق الباز عالم الفضاء والجيولوجيا من الأمثلة على هذا. لاعبو كرة القدم, مثل محمد صلاح ومحمد الننى وغيرهما, يلعبون بشكل احترافى لفرق أجنبية
نحن نفخر بالمصريين الذين صنعوا مكانة لهم ولمصر فى الخارج سواء كانوا ممثلين مثل رامى مالك ومينا مسعود، أو اقتصاديين مثل البارونة مينوش شفيق، رئيسة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، أو مطربى أوبرا مثل فاطمة سعيد وفرح الديبانى. هؤلاء المصريون ثروة لا ينبغى إغفالها وقوة يجب الاعتراف بها، هم سفراء لمصر
القضية هى كيف يمكننا إبقاء أبنائنا وبناتنا فى مصر فى المقام الأول، ولكن إذا غادروا البلاد يجب أن نؤيد جهودهم ونحثهم على البقاء أوفياء لمصر. يجب أن نساعد المصريين على الحفاظ على هويتهم المصرية فى قلوبهم والاستمرار فى الترويج لبلدهم الأم. والأهم، وهذا أمر سهل مستساغ، إن المصريين بطبيعتهم أوفياء. نادرًا ما ينسى المصريون أصلهم وثقافتهم وبلدهم . قال عمر الشريف ذات مرة إنه نادم على أنه أصبح نجمًا عالميًا وتمنى لو أنه بقى فى مصر، وكان سيصبح أفضل حالًا ويكافأ بحياة أفضل. قضى عمر الشريف سنوات عمره الأخيرة كلها فى مصر
اختار السير مجدى يعقوب، أستاذ جراحة القلب، أسوان فى صعيد مصر لإنشاء مركز قلب مجدى يعقوب, حيث يسافر آلاف المصريين بحثًا عن العلاج. وقد عاود المهندس المدنى هانى عازر العطاء كمستشار للمشاريع الهندسية فى مصر بعد أن صمم أكبر محطة سكة حديد فى أوروبا والعديد من المشاريع الأخرى العملاقة، ويُعدُّ محمد صلاح من أكثر الرياضيين عطاءً ولا يزال مرتبطًا بجذوره. إنه فى الواقع يقضى على الفقر فى قريته نجريج
دعونا لا نذهب بعيدا، كاتبة هذا المقال مثال آخر. لقد أمضيت حياتى فى الخارج ومع ذلك عدت إلى مصر
ابنتى التى عاشت طوال حياتها فى الخارج لديها طفلان يأخذان دروسًا فى اللغة العربية عبر زوم. قد لا يتحدث الأحفاد اللغة العربية بشكل مثالى لكنهم يتذوقون الملوخية والبامية والكفتة ويتطلعون إلى رحلتهم الخامسة إلى مصر
لماذا يتعلق هؤلاء المغتربون بمصر؟ لأنه شعور فطرى. فكما تقول الأغنية: بعدت وكنت هعمل إيه؟ من اختار غربته بإيديه؟ لكن حبك ده مانسيتهوش وعاش فيّا. ليه هتأسف على الغيبة؟ ماغبتيش لحظة وقريبة. ماحدش عنده كده طيبة وحنية
دعنا ندعم المصريين أينما كانوا ونستقبلهم بالحب مع عودتهم مرة أخرى لبلدهم الأم
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.