الأهرام
ضع جانبا المعاناة الهائلة التى يعانيها الأوكرانيون مع مقتل الآلاف وتحمُّل الملايين وطأة النزوح. تجاهل التريليونات التى أُنفقت على الأسلحة وآلات القتل، أموالًا كان بالإمكان استخدامها فى قضايا إنسانية. ثم عاين بتمعن التأثير الاقتصادى بعيد المدى لحرب أوكرانيا على العالم
وللتضخم خسائر فادحة فى عموم الشعوب، لأنه يتسبب فى تضاؤل الدخل الفردي. فى الولايات المتحدة، وصل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من ٤٠ عامًا، لكن أوروبا تعرضت لضربة أشد. تحذر منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ومقرها باريس من تباطؤ النمو وإمكانية حدوث ركود فى العديد من الاقتصادات الأوروبية
ارتفع متوسط معدل التضخم الأوروبى إلى أعلى مستوى له فى ٢٥ عامًا ليصل إلى ١٠٪ فى سبتمبر. مع ارتفاع أسعار الطاقة وتضاعف أسعار الغاز الطبيعى أربع مرات، ارتفع كل شىء تقريبًا. تقول صحيفة «الأوبزرفر» البلدان الأكثر تضررًا من ارتفاع معدلات التضخم هى إستونيا (23.2٪) ولاتفيا (21.3٪) وليتوانيا (20.9٪). ثم ارتفع معدل التضخم فى المملكة المتحدة إلى أعلى مستوى له فى ٤٠ عامًا ليصل إلى10.1، وانخفض الجنيه البريطانى إلى أدنى مستوى له على الإطلاق. وقد يدمر التضخم أكبر اقتصاد أوروبى وهو الألماني
أوقفت روسيا شحنات الغاز إلى أوروبا إلى أجل غير مسمى، مما تسبب فى ارتفاع أسعار الوقود فى أوروبا. وبالتأكيد ستواجه أوروبا شتاءً قارسًا. سيجبر ارتفاع تكاليف الطاقة العائلات الأوروبية على أن تختار بين تدفئة منازلها أو شراء الطعام هذا الشتاء
إذا كانت الدول الأوروبية الغنية تعانى، لنتخيل المعاناة التى تواجهها الدول الأقل حظا. تهدد الآثار المتتالية للحرب إمدادات الموارد الغذائية الرئيسية مثل القمح والزيوت وتزيد من احتمالية حدوث مجاعة عالمية. تعتبر أوكرانيا المُصدِّر الأكبر للحبوب. فى عام ٢٠٢١ وفرت الحبوب الأوكرانية الغذاء لـ٤٠٠ مليون شخص حول العالم. إلى جانب ذلك، تمثل أوكرانيا وروسيا معًا حوالى ثلث إنتاج العالم من القمح وربع إنتاج الشعير اللذين يعتبران من العناصر الغذائية الأساسية للكثيرين. تعتبر أوكرانيا أيضًا المصدر الرئيسى لزيت دوار الشمس والزيوت النباتية الأخرى، لكن الحرب تسببت فى زيادة بنسبة ٢٣٪ فى مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للزيوت النباتية
تصدر روسيا وأوكرانيا وبيلاروس ٤٠٪ من البوتاس المستخدم فى الأسمدة. أدت الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا إلى تفاقم النقص الحالى من الأسمدة، ودفعت المزارعين إلى الحد من استخدام الأسمدة لتتسبب فى نقص المنتج الزراعى. عندما استأنفت أوكرانيا تصدير الحبوب، تنفس الكثيرون الصعداء آملين أن يستمر تدفق الحبوب إلى البلدان المحرومة لتحد من الأزمة الحالية. لكن حوالى ٣٠٪ من الأراضى الزراعية الأوكرانية إما لم تُزرع أو لن تُحصد. وطالما لا تزال الحرب على قدم وساق، فإن أوكرانيا غير قادرة على تصدير الكثير من حبوبها لمن هم فى أمس الحاجة إليها
حرب أوكرانيا تسببت ولو جزئيًا فى تفاقم مجاعات كبرى. البلدان التى تستورد الحبوب تضررت بشدة مما أدى إلى تفشى الجوع فى مناطق العالم الأكثر تعرضًا للخطر. وتقول لجان الإنقاذ الدولية، لقد أدى الحظر المفروض على صادرات الحبوب الأوكرانية إلى تفاقم الجوع فى بعض أكثر مناطق العالم ضعفًا وحدوث مجاعات جماعية. دون تمويل دولى عاجل، قد يفقد ٣ ملايين شخص فى المنطقة حياتهم. إن عدد الذين هم على وشك المجاعة فى الصومال وإثيوبيا وكينيا مذهل، ومنطقة الساحل فى شمال إفريقيا بها حوالى ١٨ مليونًا يعانون الجوع الشديد
مصر، أيضًا، تضررت من حرب أوكرانيا. مصر، أكبر مستورد للقمح فى العالم، تشترى الحبوب بما يقارب ضعف سعر عام٢٠٢١. وينطبق الشىء نفسه على الوقود. وعانت السياحة، وهى عامل رئيسى فى جلب العملات الأجنبية، لأن الروس والأوكرانيين يشكلون أكثر السائحين لمصر
بكل إنصاف، يواجه العالم مشكلة معضلة. تركت تداعيات الحرب آثارا عميقة، ولسوء الحظ فإن المعاناة تقع على آذان صماء، والقوى العالمية لا تفعل الكثير لحل النزاع. التسوية السلمية ستنهى معاناة الملايين. كما ستحافظ على حياة البشر وكرامة الملايين
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.