بعد أقل من شهر من توليها منصب رئيسة وزراء بريطانيا، أكدت ليز تراس تفانيها المطلق لإسرائيل. عرّفت تراس نفسها على أنها صهيونية كبرى وداعمة كبيرة لإسرائيل، مما تسبب فى ضجة على وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام الرئيسية. إنه ولاء نادرًا ما يتم التعبير عنه بمثل هذه العبارات القوية من قبل شخص غير صهيونى الأصل. ولم تمضِ ليز تراس فى منصبها كثيرا، فقد تنحت عن رئاستى وزراء بريطانيا وحزب المحافظين بعد ٤٤ يوما من توليها المنصب. يأمل الكثيرون حول العالم ألا يكون نمط من يعتلى المنصب بعدها مماثلا لأسلوبها المُقلق هذا. ولابد أن نتساءل: أين سيأخذ هذا الأسلوب المتعجرف الصعوبات الكثيرة التى تعصف بالشرق الأوسط؟
شغلت تراس منصب وزيرة خارجية بريطانيا فى الفترة من ٢٠٢١ إلى ٢٠٢٢. خلال خطابها الأول، كوزيرة للخارجية، أدرجت تراس الديمقراطيات الليبرالية بالاسم، مستشهدة بأستراليا وأعضاء حلف شمال الأطلسى ومجموعة السبع ثم إسرائيل، قائلة: لا يوجد صديق وحليف أقرب لبريطانيا من إسرائيل
فقط إذا تم إبعاد الفلسطينيين عن الصورة تمامًا، يمكن للمرء أن يعتبر إسرائيل دولة ديمقراطية. فكما تقول صحيفة عرب نيوز، بالنسبة لتراس، الفلسطينيون لا وجود لهم. فى هجمات إسرائيل على غزة أكدت تراس أن بريطانيا تقف إلى جانب إسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها
ثم خاضت تراس حملتها الانتخابية لمنصب رئيسة الوزراء، وكانت تضع اليهود البريطانيين على قدم المساواة مع أعضاء حزب المحافظين الذى ترأسه قائلة: أعتقد أن قيم حزب المحافظين والقيم اليهودية تسير جنبا إلى جنب. كما أنها، على الدوام، فضلت اليهود البريطانيين قائلة: قوة الجالية اليهودية هى ضوء ساطع فى بريطانيا. لذلك تعيين ليز تراس كرئيسة وزراء بريطانيا أسعد كل من يؤمن بتعزيز العلاقة بين بريطانيا وإسرائيل لأن دعمها لإسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها كانت تؤكده دائما
إن إعلان تراس ولاءها للصهيونية ليس بجديد، وكان متوقعًا استمراره، إلا أن الطريقة المتعنتة التى صاغت بها ولاءها وتوقيته المبكر، وما كان سيترتب عليه هو الذى كان ينذر بالخطر. أيضا الإعلان فى حد ذاته كشف عن الاتجاه الواضح الذى كانت قد تتخذه بريطانيا فى القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط
يبدو الأمر كما لو أن رئيسة الوزراء تراس لم يكن لديها ما يكفى من المشاكل المحلية مثل التضخم وخسائر الجنيه الإسترلينى، فقد انتقدت وسائل الإعلام البريطانية قولها أنا صهيونية كبرى. سأل البعض: ما هى الصهيونية؟ وشكك الآخرون فى افتقار تراس إلى العمق السياسى والنضج ووجد البعض ملاحظاتها مؤشرا على سذاجتها السياسية وإدمانها الدعاية
بعد أن أوضحت رئيسة الوزراء المستقيلة وجهة نظرها بشأن إسرائيل، التى تكمن فى المساندة التامة تنبأ الكثيرون بتغييرات وتداعيات صادمة. فى عام ٢٠١٧، انتقدت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك تيريزا ماينقل الرئيس ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس، لكن قد وعدت رئيسة الوزراء السابقة تراس بخطوة مماثلة وقالت إن بريطانيا قد تحذو حذو الولايات المتحدة وتنقل سفارتها إلى القدس. وقالت أيضًا: هناك عاصمة واحدة فقط لبريطانيا، وهى لندن. هناك عاصمة واحدة لإسرائيل، وهى القدس. الأمل أن رئيس وزراء بريطانيا القادم لا يُقدم على مشروع مماثل ولا يستمر فى هذا الاتجاه، لأنه خطوة جسيمة. لكن العجيب أن هذا الولاء لإسرائيل غير قابل للنزاع
كانت تراس ترى جانبًا واحدًا من الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى، وكانت ستدعم إسرائيل فى الأمم المتحدة ضد أى تحقيقات فى الأفعال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى غزة أو فى أى مكان آخر. كانت تقول: ممثلو الأمم المتحدة الذين لديهم تاريخ من الملاحظات المعادية للسامية يجب ألا يكون لهم دور فى مراجعة أنشطة إسرائيل. فى دفاعها عن إسرائيل، قالت أيضًا أن أولئك المعارضين لإسرائيل سيُحاكمون بسرعة فى إطار القانون. كما تجاهلت تراس المخاطر والتهديدات التى يعانيها الفلسطينيون، فلم تشر أو تستشهد مرة واحدة بالقمع المتصاعد ضدهم أو تُندد بالمجتمع العنصرى الإسرائيلي. نرجو ألا يكون هناك المزيد من هذا الأسلوب مع رئيس الوزراء المرتقب لأن تفانى ليز تراس الراسخ لإسرائيل هو بمثابة إنذار عما قد يستجد مع كل تغيير فى المنصب ذاته
وبعد أربعة وأربعين يوما فقط فى منصب رئيسة وزراء بريطانيا أصبحت ليز تراس صاحبة أقصر مدة حكم فى تاريخ بريطانيا. ولن يكون البريطانيون هم الوحيدون الذين يتنفسون الصعداء بعد هذا التنحى، بل قد يشعر آخرون كثيرون بنفس الارتياح
سيحدد القريب العاجل سياسة ريشى سوناك رئيس وزراء بريطانيا الجديد ويشهد العالم مدى قرب أو بعد فلسفته من فلسفة ليز تراس
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى