الاهرام
منذ اندلاع حرب أوكرانيا ولمدة عشرة أشهر تقريبًا، نادرا ما تلفّظ أحد بكلمة السلام، بل على العكس تمامًا، هيمن التصعيد على تصرفات جميع الأطراف. واليوم أعرب الأطراف المتشابكة فى الحرب الأوكرانية عن تقبلها، من حيث المبدأ، التفاوض وقد يعنى ذلك أن المفاوضات السلمية لحسم القتال قادمة
الأمر معقد، وعلى الرغم من أن هؤلاء القادة يلمِّحون إلى التفاوض، فهذا لا يعنى أن محادثات السلام رفيعة المستوى ستستأنف قريبًا، أو ستُستأنف على الإطلاق، لأن الأحداث متشابكة وشروط إقامة حوار فعّال ليست مكتملة الآن
فى وقت سابق، أعرب الرئيس الأوكرانى زيلينسكى أنه طالما ظل بوتين فى السلطة فإن المفاوضات مع روسيا غير ممكنة. اليوم لا يزال زيلينسكى يصر على استعادة جميع الأراضى الاوكرانية ومحاكمة جرائم الحرب، لكنه يتجاهل ذكر رفضه التحدث مع بوتين
ثم أكدت كييف أن محادثات السلام ممكنة، ولكن فقط إذا توقفت روسيا عن مهاجمة الأراضى الأوكرانية وسحبت قواتها من هناك. على الرغم من كون موقف كييف الحالى أكثر ليونة، إلا أنه لا يثبت استعداد كييف الفورى للتفاوض
كما أن إصرار كييف على أن تتخلى روسيا عن جميع الأراضي، ليس فقط فى المناطق التى تم الاستيلاء عليها فى الحرب الحالية، ولكن أيضًا فى دونباس وشبه جزيرة القرم التى ضمتها روسيا عام ٢٠١٤، وهذا لا يشجع على التفاوض، ومع نجاح أوكرانيا فى استعادة هيمنتها على عدة مناطق لن يتفاوض زيلينسكى بشروط سلام تكافئ روسيا بتنازلات مجانية
المنظور الروسى مختلف تمامًا. تطالب روسيا بضمانات ملزمة بأن أوكرانيا لن تصبح عضوًا فى الناتو ومنزوعة السلاح. عندما سئل المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف عما إذا كان من الممكن عقد اجتماع بين الرئيس الروسى والرئيس الأمريكي، أجاب بيسكوف بأننا لا نتجنب الاتصالات، لكن لم نسمع أى أفكار جادة بهذا الشأن
الولايات المتحدة تتأرجح بطريقة مماثلة. قال الرئيس بايدن، خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس ماكرون، إنه مستعد للتحدث مع الرئيس بوتين إذا كان بالفعل يبحث عن طريقة لإنهاء الحرب. لكن عقب ذلك أكد البيت الأبيض استحالة عقد مثل هذا الاجتماع قائلا الرئيس الأمريكى لا ينوى التحدث إلى نظيره الروسى بشأن إنهاء حرب أوكرانيا حيث لا توجد ملابسات لمثل هذه المناقشات حاليًا
من بين جميع الدول الأوروبية، تعتبر فرنسا الأكثر مرونة بشأن هذه القضية. أعرب الرئيس الفرنسى عن أمله فى التفاوض قائلا: المفاوضات بشأن إنهاء الحرب لا تزال ممكنة. وقال إن إحدى النقاط الأساسية التى يجب أن نتناولها ـــ كما قال الرئيس بوتين سابقًا ـــ هى الخوف من أن يأتى حلف الناتو إلى أبواب بلاده مباشرةً ونشر أسلحة يمكنها تهديد روسيا
على الرغم من الإشارات المتضاربة فى البيانات من جميع الأطراف، الأمل اليوم أكثر من أى وقت مضى. وفقًا لصحيفة واشنطن بوست، فإن الولايات المتحدة تشجع أوكرانيا حاليا على الإشارة إلى انفتاحها للتفاوض مع روسيا. وفى أواخر أكتوبر الماضى، تحدث وزيرا الدفاع الأمريكى والروسى عبر الهاتف لأول مرة منذ مايو. ثم أكد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أهمية الحفاظ على خطوط الاتصال وسط الحرب المستمرة ضد أوكرانيا، وفقًا لموقع وزارة الدفاع الأمريكية على الإنترنت. وفى أوائل نوفمبر، أجرى مستشار الأمن القومى للرئيس بايدن، جاك سوليفان، محادثات مع أعضاء كبار فى حكومة الرئيس بوتين للحد من أخطار نشوب صراع أوسع فى أوكرانيا. فى نوفمبر أيضًا، ذهب بيل بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية، إلى أنقرة، للقاء نظيره الروسى لمناقشة الحرب وإمكانية وقف التصعيد. وأكد المتحدث الروسى اندهاشه للمطلب الأمريكى بعقد مثل هذه اللقاءات، التى حدثت بالفعل بمبادرة من الجانب الأمريكي
على الرغم من أن جميع الأطراف، فى ظاهر الأمر، تبدو أكثر استعدادًا للتفاوض على حل سلمى، إلا أنهم جميعًا، بشكل مخيِّب للآمال، مصممون على الخروج من الحرب الأوكرانية كفائزين، ولا يتركون مجالًا للمفاوضات الاستراتيجية التى من شأنها حل المشكلة بالطريقة التى تجدها جميع الأطراف مقبولة. بينماـــ بعد كل ذلك ـــ تظل أوكرانيا الخاسرة فى كل هذا
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.