الاهرام
بينما لا تزال الحرب فى أوكرانيا مستمرة، ها قد عاد الشتاء لإضافة مزيدٍ من المعاناة على دول أوروبا مع انخفاض الحرارة إلى ما دون الصفر. فى أوكرانيا وصلت درجات الحرارة لنقطة التجمد، وفى بريطانيا شل الطقس شديد البرودة البلاد. أما الدول الإسكندنافية فقد وصلت درجات الحرارة إلى -٢٠
تزامنًا مع هذا الطقس، صعّدت روسيا الحرب، واستهدفت شبكات الكهرباء التى تكفل التدفئة لملايين الأوكرانيين. اليوم يرتعد الأوكرانيون فى ظلام كلى وبرد عنيف ويكافحون من أجل التكيُّف مع الطقس المتجمد بالاحتماء فى محطات مترو الأنفاق. ثلث المجتمع الأوكرانى اليوم دون أنظمة تدفئة منزلية. سيكون شتاءً شديد القسوة بالنسبة للأوكرانيين بسبب عدم أو قلة مصادر الطاقة والأضرار التى لحقت بشبكات الكهرباء
اتهمت أوكرانيا روسيا باستخدام مناخ الشتاء كسلاح لإيذاء المدنيين عمدًا. أكد ذلك ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف الناتو، قائلاً إن الرئيس الروسى “يقوم باستغلال الشتاء القاسى”. حتى روسيا أكدت هجماتها على البنية التحتية الأوكرانية، نافيةً نيتها إيذاء المدنيين، لكنها قالت إن المعاناة لن تنتهى إلا إذا قبلت كييف مطالبها
السبب وراء الهجمات الروسية المكثفة بيِّن: كسر عزم الأوكرانيين وكسب المزيد من الأرض ثم إجبار الأوكرانيين على التفاوض، كذلك أن تصبح الحياة فى المناطق المحاصرة جحيمًا، مما يرغم المزيد منهم على الفرار وبالتالى خلق مهاجرين جدد فى أنحاء أوروبا. فى المقابل، قال ستولتنبرج، الهجمات المتصاعدة من روسيا هى علامة على أن بوتين يفشل فى حربه، خاصة مع خسارة روسيا فى كييف وخاركيف وخيرسون. هذا صحيح إلى حد ما، فقد دفعت أوكرانيا القوات الروسية إلى التراجع فى مناطق عدة متكبدة العديد من الخسائر
لكن الشتاء القارس يخلق تحديات لجميع الأطراف المعنية، وقد يبطئ من وتيرة القتال ويوقف العمليات الهجومية مؤقتًا. الطرفان سيتعين عليهما التعامل مع ظروف الشتاء القاسية. مع تفاقم انخفاض ضوء النهار سيصعب تحرُّك الإمدادات عبر الثلوج والطين والمستنقعات، وسيتعين على الجانبين تزويد قواتهما بالإمدادات فى بيئة شديدة البرودة والرطوبة لأشهر الشتاء الطويلة. كما قد يكون التحليق الجوى فى العواصف الشتوية مشكلة، ومع اختفاء المساحات الخضراء، ستصبح الخنادق وأماكن وجود الجنود مرئية بالعين المجردة للمهاجمين أيًا ما كانوا
وتواصل الدول الغربية دعمها لأوكرانيا وتعزيز صمودها والتزامهم بتدفئة الأوكرانيين والحفاظ على سلامتهم، فقد قدمت بريطانيا والولايات المتحدة لأوكرانيا آلاف الإمدادات من الخيام والمخابئ المدفأة، والملابس الشتوية من السترات، والأحذية، والقبعات. بالإضافة إلى ذلك، طالبت أوكرانيا حلفاءها بتوفير مولدات كهربائية، فضلاً عن معدات لإصلاح البنية التحتية للطاقة. قال الرئيس زيلينسكى إن المولدات الآن ضرورية فى أوكرانيا مثل العربات المدرعة والسترات الواقية من الرصاص. كما طلب ٥٠ مليون لمبة لِدْ موفرة على أمل توفير الطاقة. وللأسف، سيتكلف ترميم وتصليح شبكات الكهرباء فى أوكرانيا الوقت والمال، أكثر من مليار دولار أمريكى على وجه الدقة
كما أن تداعيات الحرب الدائرة أصابت أهدافاً أخرى بالأخص فى أوروبا. وكان الرئيس الأوكرانى قد حذرمن أن هذا الشتاء سيكون أصعب شتاء فى العالم بأسره. اليوم يشح الغاز ويُشترى بأسعار باهظة، ويحاول الأوروبيون الحد من استخدام الطاقة والتقشف، ولكن دون جدوى. وحذرت الشبكات الوطنية فى العديد من الدول الأوروبية مواطنيها من الانقطاع الكهربائى وساعات تقنين الكهرباء، وبالتالى انعدام وسائل التدفئة
ووفقًا لرويترز، فإن ارتفاع أسعار الغاز والطاقة فى أوروبا نتيجة لانخفاض الإمدادات الروسية سوف يؤدى إلى زيادة التضخم وتراجع الاقتصاد وإعاقة النشاط الصناعى، وفى النهاية فرض فواتير باهظة على المستهلكين الكادحين
أوروبا تعانى بالفعل، والاقتصادات تتدهور، والشركات والأشغال مستمرة فى الانكماش، متسببا فى معاناة الافراد والعائلات. بالإضافة إلى ذلك، فى المتوسط، أصبح سبعة فى المئة من الأوروبيين فقراء حتى إنهم لن يتمكنوا من تدفئة منازلهم حتى وإن وُجدت وسائل التدفئة. لا يوجد ضمان بأن أوروبا بظروفها الحالية ستتغلب على صعوبة الشتاء الحالى
ومع كل هذه المعاناة لا تلوح فى الأفق نهاية: لا مفاوضات، بل مزيد من التصعيد. على الرغم من ظروف الشتاء وعواقبه، الجميع مستمرون فى التعنت. روسيا لن تقبل بانضمام أوكرانيا للناتو. وزير الخارجية لافروف قال، على أوكرانيا تلبية مطالب موسكو وإلا سيفرضها الجيش. أما الناتو فمستمر فى فتح ذراعيه للأعضاء الجدد كما قال ستولتنبرج: باب الناتو مفتوح، وروسيا لا تملك حق النقض بشأن من يمكنه التقدم للانضمام إلى الناتو
الشتاء يزيد من حدة الحرب ويزيد من آلام الأوكرانيين والأوروبيين على حد سواء إلا ان جميع الأطراف تبدو مستعدة لحرب طويلة الأمد، حرب قد تستمر لفصل شتاء آخر
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments