الاهرام
ملفات تويتر" ..تكشف المستور"
فى ٢٠١٦ كتبت مقالا فى الأهرام ويكلى عن انتهاكات الإعلام الغربى. حينها قلت إن الولايات المتحدة تدفع بشكل روتينى بالإعلام الغربى لكى يقدم تقارير انتقائية عن أحداث معينة، بينما تفرض رقابة على أحداث أخرى، وبينما ينتقد الإعلام والمواقع الغربية كلًا من الصين وروسيا ودولًا أخرى فيما يتعلق بالرقابة والقيود المفروضة على حرية التعبير، فإنها تنتظر الموافقة على المحتوى من البيت الأبيض قبل نشر المقالات. كما نقلت عن جوليان أسانج، المُبلِّغ الأكبر للمخالفات الأمريكية، كيف تستفيد جوجل من ارتباطها بالمكتب الفيدرالي. أنهيت المقال قائلة: النزاهة تغفل فى مواجهة المال والسلطة والهيمنة
اليوم بعد سبع سنوات ظهرت لنا ملفات تويتر. هى آلاف الوثائق السرية وقد زوّدها إيلون ماسك، الرئيس التنفيذى الجديد لتويتر، فى ديسمبر٢٠٢٢ لعدد قليل من الصحفيين والكُتَّاب المستقلين بشرط نشر توضيحاتهم وتعليقاتهم على تويتر أولاً. لاقتناعه بأن حرية التعبير هى حجر الأساس للديمقراطية، أوفى ماسك بوعده الأصلى بنشر المستندات التى توضح ما كان يتم وراء الكواليس فى تويتر، وكشف خفايا تورط وسائل التواصل الاجتماعى مع الحكومة الأمريكية
أفشى تويتر الوثائق التى أصبحت متاحة للجميع للمشاهدة وللمتابعة، وعلَّق الصحفيون عليها، وجميعها تُفصح عما سمح به تويتر وتداوله وأشرف عليه. إنها مراسلات بين مديرى تويتر والهيئات الأمريكية حول أساليب الإشراف والهيمنة والتعامل مع حسابات معينة تتعارض مع سياسات الولايات المتحدة
طوال العقدين الماضيين كان تويتر موقع معلومات مهما ومصدرًا للنشر الفورى،يستخدمه ٤٥٠ مليون مستخدم من حول العالم، إلا أن ملفات تويتر تكشف التلاعب فيما ينشر والتلاعب بتفكير المستخدمين والتعدى على حرية التعبير وتشويه الحقيقة عن قصد.وهى صفات عكسية وتتعارض تمامًا مع كل ما كان العالم يظنه فى تويتر، ويثبت أن الكثير مما نقرؤه مقيد ليلائم استراتيجية معينة
أحد الصحفيين من الذين يتمتعون بحق النشر يقول: «يمكننا القول بشكل قاطع، بعد تصفح عشرات الآلاف من رسائل البريد الإلكترونى على مدار الأسابيع السابقة، إن حكومة الولايات المتحدة تمارس الرقابة بشكل مشدد» وآخر يقول: تم اتخاذ قرارات تمنع ظهور حسابات كاملة دون إبلاغ المستخدمين، ويقول أيضا: إن تويتر كان يتلقى، ثم يلبى طلبات الهيئات الحكومية الأمريكية
ووفقًا لتغريدات أخرى، فقد دفعت حكومة الولايات المتحدة أكثر من ٣ ملايين دولار لتويتر لتلبية مطالب المكتب الفيدرالي. وأن تويتر ليس الوحيد فى هذا الشأن،إنما كانت الاجتماعات فى البيت الأبيض تشمل مديرى فيس بوك وميكروسوفت وجوجل وغيرهم. الموضوعات التى تم الكشف عنها حتى الآن تشمل جائحة كورونا وتغريدات الرئيس الأمريكى ترامب ورسائل البريد الإلكترونى التابع لهنتر، نجل الرئيس بايدن، بالإضافة إلى تسليط الضوء على معلومات روسية وصينية وقمعها، ووسائل الإعلام، والعديد من القضايا الداخلية الأمريكية
لضيق المساحة سوف نُركز على ما كُتِب فى قضية واحدة ألا وهى جائحة كورونا.تم التلاعب بمعلومات عن الجائحة لتظهر بالطريقة التى تناسب الحكومة الأمريكية. يقول أحد الصحفيين: إن تويتر قام بترصد معلومات صحيحة، ولكنها غير ملائمة للحكومة الأمريكية من خلال تشويه سمعة الأطباء وغيرهم من الخبراء الذين يختلفون فى الرأى. كما يقول صحفى آخر: ضغطت كلٌ من إدارتى ترامب وبايدن مباشرة على المديرين التنفيذيين فى تويتر لتعديل محتوى الوباء على المنصة وفقًا لرغباتهم. الآثار الضارة الناجمة عن التدخل فى سير القضايا الصحية معروفة، خصوصا أن العالم يتجه إلى أمريكا وأطبائها ويأخذون بنصائحهم. كما أن وسائل الإعلام بصفة مستمرة تضلل وتستنكر المعلومات التى تبثها الوكالات الروسية والصينية عن الجائحة، ومع اندلاعها بثت تقارير تنوه إلى استفادة الروس من مخاوف فيروس كورونا
العجيب، بعد الكشف عن آلاف الوثائق، تستنكر الولايات المتحدة كل الأدلة. تقول تغريدة لمكتب التحقيقات الفيدرالى: من المؤسف أن تابعى نظرية المؤامرة ينشرون المعلومات المضللة لغرض وحيد هو محاولة تشويه سمعة الوكالة. هذا أمر هزلى،فيقول أحد الصحفيين: عندما كنا نعتقد أن العالم لا يمكن أن يصبح أكثر جنونًا، يدّعى مكتب التحقيقات الفيدرالى الآن أن كلمات وكلائه والمتحدثين باسمه فى عدد كبير من رسائل البريد الإلكترونى التى كُشِف عنها، هى نظريات مؤامرة ومعلومات خاطئة
ما نستنتجه من كل هذا هو أن تويتر ليس كما كنا نظن، وأن حرية التعبير غير متاحة، وأن وسائل التواصل الاجتماعى وشركات التكنولوجيا ليست حرة الإرادة كما يريد الغرب منا أن نعتقد. والأهم أن من البديهى أن نطالب الإعلام الغربى بألا يتطاول على الآخرين ويطالبهم بحرية التعبير وعدم الحظر أو تحريم آراء معينة، بينما هو ذاته لا يتبع هذه الأيديولوجيات
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments