الاهرام
كان شعار المنتدى الاقتصادى العالمى لعام ٢٠٢٣ هو: «التعاون فى عالم مجزَّأ»، وهو عنوان مُلائم لما يشهده العالم اليوم. انعقد المنتدى فى منتصف يناير فى دافوس بسويسرا وسط أزمات متعددة، وبدعوة عاجلة للعمل الجماعى والتعاون. اليوم، نعاين هذه الأزمات ونتفحص عواقبها
التحديات التى تواجه العالم اليوم خطيرة وأثرها فتَّاك، فقد تردد صدى عواقب جائحة كورونا وحرب أوكرانيا فى جميع أنحاء العالم، ونجم عنها أزمات إمداد للطاقة وللغذاء والتضخم مرتفعة. كل ذلك أدى إلى أزمة تكلفة معيشة حادة على الأفراد
الجائحة أدت إلى انكماش اقتصادى وانخفاض الإنتاجية، على سبيل المثال لا الحصر فى الاستثمار ومنافذ السياحة وسلاسل التوريد. مع الظروف الراهنة للجائحة بدأ الوضع الاقتصادى فى انتعاش طفيف، لكن تستمر فصائل من المتحور شديدة العدوى فى الانتشار. هذا فى حين أن رفع الصين المفاجئ للقيود واستئناف السفر الجوي، أدى إلى زيادة عدد الإصابات، وقد يؤدى إلى عودة ظهور الجائحة. قد نستنتج أن العالم لم ينتهِ بعد من الجائحة حتى الآن
بالإضافة إلى ذلك، تستمر التوترات الجيوسياسية فى تشكيل الاقتصاد العالمي. على وجه الخصوص، الحرب الأوكرانية ضربة قاسية للعالم بأسره، وتسببت فى تباطئ الاقتصاد العالمي. تعتبر كلٌ من روسيا وأوكرانيا منتجين رئيسيين لسلع أساسية؛ وروسيا منتج رئيسى للطاقة. وبالتالي، أدت اضطرابات الحرب إلى ارتفاع جنونى فى أسعار الطاقة والغذاء، مما زاد فى انعدام الأمن الغذائى، وزاد من الجوع والتوترات الاجتماعية العالمية
ونتيجة لذلك، زادت تكاليف الغذاء والطاقة بأكثر من الضعف مقارنة بمتوسط ٩,٢فى المئة المسجل بين عامي٢٠١٠ و٢٠٢٠، ولا يبدو أن هناك أى نهاية تلوح فى الأفق للحرب، على الأقل ليس فى المستقبل القريب. والعواقب تتوالى والتضخم هو أكثر العواقب شدة مع ارتفاعه إلى منسوب غير مسبوق، يهدد الاستقرار المالى للأفراد ويستنفد دخولهم، وبعبارة أخرى يتسبب فى تضاؤل القوة الشرائية لدخلهم. والخوف هو أن التضخم قد يسوء قبل أن يتحسن. فقد وصل التضخم فى الدول الأوروبية ما بين ١٠ و٢٠ فى المئة. وللحد من معدل التضخم تلجأ الدول الى رفع أسعار الفائدة التى، فى حد ذاتها، تُسبب الركود وانخفاض الاستثمار
والأهم، أن هذه العواقب لايتم تقاسمها بالتساوي، بل على العكس تمامًا فإن ذوى الدخل المحدود والأجور الثابتة هم الأكثر تضررًا. هذا بينما على المستوى الدولي، هناك عدد قياسى من البلدان النامية فى حالة ركود مفرط، والعديد منها معرض لأزمات اقتصادية
لن يكون ٢٠٢٣ أفضل بكثير من ٢٠٢٢، عام تباطأ فيه الاقتصاد العالمى عامةً. فلا تزال حرب أوكرانيا مستمرة، ولا يزال الوباء يمثل خطراً، لذلك سوف يتفشى الركود. فى الواقع، مع استمرار تراجع الاقتصاد العالمى وتباطؤ النمو فى جميع أنحاء العالم، سينزلق العالم إلى ركود اقتصادى، بعد عامين فقط من الركود الأخير المرتبط بالوباء، حيث يتوقع صندوق النقد الدولى تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى إلى ٢.٧٪ خلال عام ٢٠٢٣، ورفعها فى أحدث تقاريره إلى 2٫9 في المئة
إذن، ما الذى يخبِّئه المستقبل للعالم، وكيف سوف يتعامل العالم مع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والتضخم المرتفع الحالي؟
العام أو العامان المقبلان سوف يجلبان المزيد من النمو المنكمش وتكاليف المعيشة المرتفعة. على المستوى المحلى للدول، ستضطر الشركات إلى خفض التكاليف وتقليل النفقات التشغيلية مع تحمل الفقراء العبء الأكبر. كما قد تؤدى الأزمات إلى تفاقم الاضطرابات والعوائق والمسئوليات المجتمعية
على المستوى العالمى، كما قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولى، كريستالينا جورجيا، نحن نعيش فى عالم أكثر عرضة للصدمات، ونحتاج إلى قوة المجموعة للتعامل مع الصدمات القادمة. وحول كيفية مساعدة البلدان فى مواجهة الأزمات وعواقبها، صرح ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولى، قائلا: تعمل مجموعة البنك الدولى على الاستجابة للأزمات بنحو ١٧٠ مليار دولار لتلبية الاحتياجات الواسعة النطاق للبلدان العميلة. بين أبريل ٢٠٢٢ ويونيو ٢٠٢٣. ويواصل: تحتاج الاقتصادات الهشة والمتأثرة بالصراعات إلى الاستثمار وقطاع خاص نشط لخلق فرص العمل وتوليد النمو الاقتصادي
نأمل أن يخفف منفذو شعار التعاون فى منتدى دافوس بعض الأعباء التى تُسببها أزمات اليوم. لكن للأسف، لم يبتكر أى من هؤلاء الاقتصاديين البارزين طرقًا ملموسة للتخفيف من الظروف المتدهورة. التعاون هو رد فعل جيد، لكنه ليس حلا. خلاصة القول: يجب أن تتبدد الأزمتان اللتان تسببتا فى المعضلات الحالية حتى يتمكن العالم من التغلب على تداعياتهما، قد نكون قد أخذنا الخطوات الأولى للتفوق على الجائحة، لكن حرب أوكرانيا مازالت فى ذروتها، والقائمون عليها بعيدون عن الواقع
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.