الاهرام
المشاركون فى الحرب حريصون على استمرارها. لا روسيا ولا أوكرانيا ولا الغرب يفكر بجدية فى إنهاء الصراع، فمنذ بدايتها ساد منطق الاستمرارية حتى يلفظ الآخر الأنفاس. اللاعبون كثيرون، كلهم مصرون على كسب الحرب دون التنازل متجاهلين تماما معاناة العالم
بدأ الرئيس الروسى بوتين هذا التدخل آملا أن تكون رحلة سلسة، لحمل أوكرانيا على الامتثال للمطالب الروسية؛ لم يقدِّر العواقب بشكل جيد. اليوم تحولت العملية إلى حرب شاملة مع تعبئة جزئية لجنود الاحتياط العسكريين الروس، حرب لا يستطيع بوتين وقفها إلا إذا ضحى بمكانته وسمعته. حتى أنه علّق المشاركة فى معاهدة ستارت الجديدة لتخفيض الأسلحة النووية. ومن ثم، فهو إما يفوز أو يخسر العالم كله
الرئيس الأوكرانى زيلينسكى ضُلِّل من قبل الفصيل الآخر، معتمدا على الدعم الغربى ومتحملا أعباء حرب بالوكالة. لسوء حظه سُوِّيت بلاده بالأرض، وتشتت مواطنوه، ومات من مات، واضطر الملايين إلى النزوح
قد لا يعنى الولايات المتحدة هذا الاستنزاف، فعلى الرغم من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة ومليارات الدولارات التى تبددت فى المساعدات، إلا أن الأمريكيين نجحوا فى الضغط على روسيا،ولم تطأ قدم جندى أمريكى أرض المعركة. كما يستمتع القادة الغربيون بإلحاق الضرر بروسيا أيضًا، على الرغم من أن الحرب الأوكرانية هى أكبر صراع عسكرى منذ الحرب العالمية الثانية فى القارة الأوروبية، وحتى ولو عانى واحد من كل أربعة أوروبيين ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. إنهم يسعدون بتخبط روسيا غير منزعجين من صبر وتحمل أوكرانيا
جميع الأطراف مسئولة، لأنها غير مستعدة للتفاوض من أجل التوصل إلى السلام. تطالب روسيا بالاعتراف بضم شبه جزيرة القرم قبل بدء محادثات السلام مرة أخرى. وفقا لأوكرانيا، فإن هذا لن يحدث. كما أعلن الرئيس زيلينسكى للتو أن المحادثات لن تستأنف إلا بعد عودة روسيا إلى حدود عام ١٩٩١ وإنهاء الهجوم الروسى قبل بدء أى مفاوضات. يضع كلا الجانبين مطالب غير ممكنة، مما يجعل احتمال السلام بعيد المنال
من الخاسر هنا؟ العالم بأسره. لقد تأثر كل شخص على وجه البسيطة بارتفاع الأسعار وعدم القدرة على تغطية نفقاته. فى البلدان المتقدمة، يتجمد الناس حتى الموت،لأن أسعار الطاقة جنونية، وهم مطالبون بالتقشف وعدم شراء ما لا يزيد على حبتين من الخضراوات مثل الطماطم والخيار فى أثناء قيام المتاجر الكبرى بترشيد التسوق
فى البلدان الفقيرة، خصوصا إفريقيا، يعانى الملايين المجاعة، فقد ساد الفقر والتضخم وانخفضت القوة الشرائية. نقص المواد الغذائية مثل القمح وارتفاع أسعارها وأسعار الطاقة قد زادت معاناة الإنسان هناك
الحرب لهؤلاء بمثابة صب البنزين على نار مشتعلة أصلا. إذن من المستفيد من هذه الأزمة الطاحنة؟ لا أحد سوى صنّاع الأسلحة، فقد استحوذوا على مكاسب هائلة وزاد مبيعات الأسلحة الأمريكية بنحو ٥٠٪ فى عام ٢٠٢٢، مدفوعة معظمها بحرب أوكرانيا
يشارك لاعبون آخرون فى القرارات سواء أبوا أم شاءوا. إن موردى الطاقة الخاضعين للعقوبات، أو مصدرى الطاقة البديلة، أو حتى أولئك الذين يرفضون التوسع فى إنتاج النفط، كلهم لاعبون فى هذه المعضلة. علاوة على ذلك، هناك فجوة عالمية آخذة فى التعمق. أجبرت الحرب العالم، مع تحولها إلى حرب استنزاف، على الوقوف إلى جانب معسكر ضد الآخر: الغرب أم روسيا؟ يحاول كل معسكر ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على الآخرين للتمتع بولاء أقوى وموقف أكثر حزماً بشأن القضية مما أدى إلى تقسيم الدول إلى حزبين، مؤيد ومعارض. حذر مسئولون أمريكيون الصين من منح روسيا أسلحة وذخائر. أكد الرئيس الأمريكى بايدن للزعيم الصينى شى جين بينج أن أى خطوة من هذا القبيل ستكون لها نتائج بعيدة المدى. إلى جانب ذلك، اعتبر الرئيس بايدن أن خطة السلام التى رسمتها الصين ليست عقلانية. وتضامنت الهند وإيران وكوريا الشمالية، على سبيل المثال لا الحصر، مع روسيا
استخدمت روسيا الطائرات بدون طيار الإيرانية ضد أوكرانيا، مما دفع الحكومة الأوكرانية لطرد السفير الإيرانى وخفض العلاقات مع إيران. كما امتنعت الهند عن التصويت على قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين روسيا، بينما اتهمت كوريا الشمالية الولايات المتحدة بتصعيد الحرب بإرسال الأسلحة والذخائر إلى أوكرانياالمستقبل قاتم إذا واصلنا السير على نفس المنوال.
!أوقفوا هذه الحرب الآن
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments