الاهرام
مع احتمال إعادة قصة الأزمة المالية العالمية لعام ٢٠٠٨، هل يتحمل العالم كارثة أخرى بعد كارثتي الجائحة وحرب أوكرانيا؟ حلّت الأزمة المالية العالمية لعام ٢٠٠٨ بإقراض بخس تسبب في ارتفاع أسعار العقارات وانتهت بالتحول إلى كارثة مالية أفلس فيها رابع أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة، ليمان براذرز، مما أحدث عمليات بيع ضخمة فى الأسواق العالمية مؤثرا على عمالقة البنوك وحتى الأشخاص العاديين الذين فقدوا وظائفهم ومدخراتهم ومنازلهم
هناك كارثة مماثلة تتبلور حاليا. لإبطاء التضخم رفع البنك المركزى الفيدرالى الأمريكى أسعار الفائدة فى البنوك غير مُلم بالعواقب التى ستتبع ذلك. أكد رئيس البنك جيروم باول أن أسعار الفائدة ستصل إلى ٥.٧٥٪، وكانت قرابة الصفر قبل بضعة أشهر فقط. حينها اضطربت الأسواق المالية الأمريكية التى تكبدت مئات المليارات من الخسائر، لأنها تحتفظ بسندات انخفضت قيمتها أمام ارتفاع أسعار الفائدة. كان أول سقوط لبنك سيليكون ڤالى،وكان متخصصًا فى تمويل شركات التكنولوجيا الناشئة. عندما بدأت قيمة السندات الحكومية فى الانخفاض لدفعها معدلات فائدة أقل من معدلات الفائدة المصرفية، بنك سيليكون ڤالى الذى كان يستثمر فى السندات الحكومية اضطر إلى بيع السندات بخسارة إجمالية قدرها ٢.٢٥ مليار دولار. فورا وفى يوم واحد سحب عملاء بنك سيليكون ڤالى ٤٢ مليار دولار، وهى ربع إجمالى ودائع البنك، فتدخل البنك الفيدرالى وأغلق البنك بحجة المخاطرة المفرطة وسوء الإدارة. بالتأكيد ضر هذا الانهيار بعملاء البنك أمثال شركة أبل العملاقة وشركة ألفابت، شركة تكنولوجية عملاقة أخرى، بالإضافة إلى مئات شركات التكنولوجيا الناشئة، وظن العملاء الذين لم يسحبوا مدخراتهم قبل تدخل المنظمين الأمريكيين أنهم لن يستردوا أموالهم فى القريب العاجل أو على الإطلاق. صحيح يتم التأمين على الودائع فى معظم البنوك الأمريكية من قبل البنك الفيدرالى لكن بحد أقصى ٢٥٠ ألف دولار، وما يقرب من ٩٠٪ من جميع المدخرات، أى نحو ١٥٠ مليار دولار، لم تكن مؤمنة
لأول وهلة قرر البنك الفيدرالى سداد الودائع المؤمن عليها فقط. لكن كان لابد من تنفيذ استراتيجية لحفظ واستعادة الثقة فى النظام المصرفى الأمريكى. لطمأنة المستثمرين، قرر البنك الفيدرالى ضمان جميع الودائع حتى تلك التى لم تكن مؤمنة. كانت هذه خطوة ضخمة من قبل الحكومة الأمريكية، وعلى الرغم من التكلفة الباهظة، فإن طوق النجاة هذا قد وفر بعض الثقة المطلوبة فى البنوك الأمريكية. لكن تداعيات كارثية مماثلة تواجه عشرات البنوك، ومن المحتمل تعرضها لخسائر ضخمة تتطلب عمليات إنقاذ سريعة مماثلة. وكما حدث مع بنك سيليكون ڤالى سوف تسقط بنوك أخرى إذا لم توقف إجراءات الإنقاذ انهيارها الحتمى. جاءت الضحية الثانية سريعا. انهار بنك سيجنتشر وأغلقه المنظمون الأمريكيون أيضًا، ثم تكبد بنك فيرست ريبابليك خسائر فادحة حتى تم إنقاذه من قبل بنوك أخرى اشتركت لمساندته وقدمت له شريان الحياة اللازم البالغ ٣٠ مليار دولار. هدفت خطة الإنقاذ إلى استقرار القطاع المالى وتهدئة نفوس المستثمرين أكثر من إنقاذ بنك فيرست ريبابليك فى حد ذاته
لم يتوقف السقوط عند البنوك الأمريكية، بل عبر المحيطات إلى بلدان أخرى. ونظرًا لأن العديد من البنوك المركزية فى دول كثيرة قد حذت حذو الولايات المتحدة ورفعت أسعار الفائدة بسرعة، فإنها تعانى اليوم من صدمات مماثلة. فى بريطانيا استحوذ بنك إتش إس بى سى على فرع سيليكون ڤالى البريطانى مقابل جنيه إسترلينى،ولكنه تعهد بضخ ٢ مليار دولار فى البنك التى قد تكون أفضل نتيجة لهذا الفرع. لقد استقرت الأمور بالنسبة لآلاف العملاء الذين كانت مدخراتهم فى سيليكون ڤالى بريطانيا تفوق الـ ٦ مليارات. خسر بنك كريديت سويس السويسرى ٣٠٪ من ودائعه عندما تخلص المستثمرون من أسهم البنك. وفى عملية إنقاذ أخرى وافق بنك يو بى إس، وهو أكبر بنك فى سويسرا، على شراء كريديت سويس لكن الاستحواذ سيوفر للمساهمين أربعين فى المئة مما تستحقه أسهمهم قبل الأزمة وتستمر المخاوف بشأن استقرار البنوك الأوروبية عموما
وبينما يعانى الأفراد ضغوطا مالية مؤلمة، أصبح المال مصطلحًا فضفاضًا وغير مفهوم ويُهدَّر جوازا ويُنقل عشوائيا من يد إلى أخرى لإنقاذ هذه البنوك من الانهيار. إذا كان النظام المالى الأقوى فى العالم يمكن أن يتكبد هذه الخسائر بهذه السرعة، فكيف يمكن لمن أقل حظًا التعامل مع الهزات المالية المتوقعة؟ من المرجح أن يسود ركود حاد آخر على الاقتصاد العالمى، وليس هناك أمل ألا يؤثر على العالم ككل
هذه قصة مستمرة سوف يتردد صداها لفترة طويلة
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى