الاهرام
استُخدم مصطلح "الحرب لإنهاء كل الحروب" لوصف الحرب العالمية الأولى، على أمل ألا يعانى العالم المزيد من المآسى. ثم بعد الحرب العالمية الثانية، صيغت عبارة "لن تتكرر مرة أخرى" بالاقتران مع الوحشية وإراقة الدماء التى حدثت. ومع ذلك هل نحن اليوم أفضل حالًا؟
يتم استخدام مصطلح "الحرب لإنهاء جميع الحروب" اليوم بسخرية، لأن الحرب العالمية الأولى لم تكن الحرب النهائية فحسب، بل أعقبتها أيضًا حرب أكثر تدميراً. تشير التقديرات إلى أن أكثر من ٥٠ مليون مدنى وعسكرى لقوا حتفهم، مع ما يقرب من ٢٥ مليون حالة وفاة بسبب الأمراض المرتبطة بالحرب والمجاعة خلال الحرب العالمية الثانية
الدرس الذى كان يجب علينا تعلمه هو تجنب الحرب بأى ثمن، وللأسف لم نتعلمه أو نتبعه بعد. تفحص العالم من حولنا وستدرك على الفور أنه فى حالة فوضى، مليء بالحروب والاشتباكات. لم تتعلم الإنسانية الدرس نهائيا، ولسنا فى حال أفضل اليوم مما كنا عليه بالأمس
يقول مايكل راى فى موسوعة بريتانيكا على الإنترنت إنه كان من المعتقد أن الإنسانية فى القرن الحادى والعشرين ستكون مجتمعا تخطى مرحلة الصراع متجها نحو السلام والازدهار الجماعي. وبدلاً من ذلك، فإن الإرهاب، والصراع العرقى، والحروب الأهلية، والحروب الخاصة، التى تستخدمها الدول المتقدمة لمضايقة أو زعزعة استقرار المعارضين، كانت مسئولة عن الجزء الأكبر من العنف داخل الدول وبين الدول. يمضى الكاتب فى ذكر الحرب الأهلية السورية، وحرب العراق، وحرب أفغانستان، والحرب الأهلية اليمنية، والحرب الروسية الأوكرانية وعديد من الحروب الأخرى
حرب أوكرانيا، مثال على تفاقم الوضع وقد تجاوز الإنفاق العسكرى العالمى حاجز تريليونى دولار أمريكى بسببها. على غرار الحرب العالمية الثانية عندما انقسم العالم الى طرفين جزّأت حرب أوكرانيا العالم، والأهم من ذلك أن الأطراف المتورطة تتجه ببطء نحو مواجهة نووية ورفضها التزحزح أو تقبل الأمور، وهذا سيبيد العالم كما نعرفه
كان من المتوقع فى قرننا هذا أن تربط العولمة العالم عن طريق التجارة والتكنولوجيا والسفر، لكن العولمة عانت بشدة من الجائحة التى حددت الحركة الدولية وقيدت السفر وتسببت فى التركيز على الذات أولاً وتجاهل مصالح الآخرين. كانت الجهود المبذولة للحد من انتشار الوباء تعنى أن العالم يجب أن ينغلق، وأن يصبح أكثر انفصالًا وبعدا عن الآخرين. إن حجم وسرعة الانهيار الذى أعقب الجائحة لا يشبه أى شىء شهدناه من قبل
اقتصاديا العالم يكافح. تسببت الجائحة، وحرب أوكرانيا، وأزمتا الغذاء والطاقة، والتضخم فى تفاوت عالمى حاد. إنها نظرة قاتمة لكلٍ من البلدان المتقدمة والنامية،لأن العالم اليوم يعانى أخطر أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية. عانت اقتصادات البلدان التى اعتمدت على حركة الناس والسفر، كما انطبق الشيء نفسه على البلدان التى لا يستطيع فيها الفقراء إطعام المحتاجين أو تطعيمهم
من الآثار المطولة والأبدية هى حالة الطوارئ المناخية التى تعانيها الأرض. التحولات طويلة المدى فى درجات الحرارة وأنماط الطقس، مثل الاحتباس الحرارى، ستغير وجه الأرض بشكل جذري. والنتيجة هى أن الأرض ترتفع درجة حرارتها بمعدل لم نشهده فى آخر ١٠ آلاف عام، وسوف يخل ذلك بالتوازن للطبيعة مع ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستويات سطح البحر
عندما ندرك أننا جميعًا فى هذا معًا، قد توحِّد الكوارث المناخية العالم. ومع ذلك، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة بشأن تغيُّر المناخ الصادر فى أكتوبر ٢٠٢٢، لا تزال خطط المناخ غير كافية: يلزم اتخاذ إجراءات طموحه الآن. بعض الدول حققت تقدما فى مجال تغيُّر المناخ، ولكن وفقًا لسيمون ستيل، الأمين التنفيذى لتغير المناخ فى الأمم المتحدة، ما زلنا بعيدين عن نطاق خفض الانبعاثات المطلوبة لوضعنا على المسار الصحيح نحو ارتفاع 1.5 درجة مئوية فقط. للوصول للهدف هذا، تحتاج الحكومات إلى تعزيز خطط العمل المناخية الخاصة بها الآن وتنفيذها فى السنوات الثمانى المقبلة
على الرغم من الانقسام واللامبالاة التى نعانيها، فإننا، من المفارقات، مرتبطون ببعضنا البعض بشدة. الجائحة مثال على ذلك فلم يستغرق الوباء وقتًا طويلاً حتى انتشر، مما يثبت للعالم أننا جميعًا فى هذا معًا
لعل ما قد يوقظ العالم ليدرك ما جلبه على نفسه، يجب أن يواجه تحديًا أشد عنفا. إذا ألمَّ بنا ابتلاء عصيب قد يقضى على كوكب الأرض، فإننا، سكانها، سوف نتحد بالتأكيد لخدمة الصالح العام. عندئذ سيكون لدينا عدو واحد. قد يبدو هذا غير واقعى وهو كذلك فعلا، لكن فكرة توحيد العالم والعمل سويًا ثبُت أنها غير واقعية وبعيدة المنال هى أيضا
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.