مصر على وشك استئناف العلاقات مع عدة دول. هذا ليس مجرد اجراء اعتيادي وجب مع مرور الزمن، إنما هو قرار استراتيجي يتم التخطيط له بدقة ويُتخذ بحذر. على مدى الأشهر الماضية، كان استئناف العلاقات مع تركيا وسوريا قيد الإعداد، وتكهن المراقبون بحدوث نفس الشيء مع إيران. هذا بينما فى عام ٢٠٢١ أعادت مصر العلاقات مع قطر. سوف نتعمق فى كل تقارب على حدة، لأنهم ليسوا متشابهين بالطبع. حتما إن إعادة العلاقات مع هذه الدول كان سيحدث إن آجلا أو عاجلا، لكن التوقيت والحاجة إليها ونتائجها مختلفة
استأنفت مصر، إلى جانب السعودية والإمارات والبحرين، العلاقات مع قطر بعد مقاطعة دامت أربع سنوات بفوائد لجميع الأطراف. كانت قطر بحاجة إلى الاستقرار الذى تم توفيره بالترحيب بالعودة من قبل الدول الأربع ذات الثقل، كما أدركت قطر أهمية القاهرة ومركزيتها فى سياسات الشرق الأوسط. ثم ربحت مصر من التعاون الاقتصادى الذى نتج عن التقارب، كما استفادت من توقف قطر وشبكة الجزيرة الإعلامية من التدخل فى الشئون الداخلية لمصر
التقارب مع سوريا سببه الزلزال الكارثى الذى ضرب تركيا وسوريا. اتصل الرئيس السيسى فورًا بالرئيس بشار الأسد، متجاهلاً أى صراعات قائمة، وهى خطوة تستحق الثناء. فى توقيت جوهرى كثفت مصر جهودها لإعادة سوريا للجامعة العربية بعد ١٢ عامًا. وبينما رحبت جامعة الدول العربية بسوريا، أعلنت العديد من الدول الغربية أنها لن تطبِّع العلاقات مع سوريا، لكن مصر مضت قدما فى إصرارها بعودة سوريا رغم التحديات. هذه الخطوة أعطت سوريا النفوذ الذى تستحقه للتغلب على التدخل الأجنبى، ووفرت لها بعض المساحة للسيطرة على أزمتها. مصر أرادت أن تلعب دورًا نشطًا فى إنهاء الأزمة السورية، وقد فعلت ذلك، وقد قال وزير الخارجية المصرى سامح شكرى "الآن بعد أن خفت حدة المعارك العسكرية، يجب أن يكون لنا دور فى إعادة التواصل"
كان الزلزال جوهريًا أيضاً فى تقارب جدى مع تركيا. اتصل الرئيس السيسى بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان لتقديم التعازى والمساعدات الإنسانية، متجاهلاً العلاقات المتوترة بين البلدين منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى فى عام٢٠١٣. وهنا أيضا يعود الفضل للرئيس السيسى فى أخذ المبادرة
تركيا أدانت بشدة الإطاحة بالرئيس مرسى وعزل الإخوان المسلمين من الحكم فى عام٢٠١٣. وزادت تركيا من تعقيد الأمور من خلال استضافة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وقنوات الدعاية الإرهابية التابعة للإخوان. والأهم من ذلك، تدعم كلٌ من مصر وتركيا الأطراف المتصارعة فى الصراع الليبى وكذلك السورى. وشجبت مصر التدخل التركى فى ليبيا، وكانت مستعدة للعمل عسكريا لإنهاء هذا التدخل
فى نوفمبر ٢٠٢٢، خلال حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم فى قطر، تم لقاء بين الرئيسين المصرى والتركى، على الرغم من أن استئناف العلاقات لم يحدث بعد، لكن القدرة على التواصل ذو فوائد للطرفين. لقد أغلقت السلطات التركية بالفعل قنوات الإخوان المسلمين، وقد يؤدى التقارب أيضًا إلى تعزيز الاستقرار فى ليبيا
بعد قطع العلاقات لأكثر من سبع سنوات، قامت المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع إيران. بدا الأمر وكأن مصر ستفعل الشيء نفسه؛ لكن مصر تتجه بحذر نحو هذا التقارب. لقد مر أكثر من أربعة عقود منذ أن أقامت مصر وإيران علاقات سياسية، على الرغم من استئناف العلاقات لفترة قصيرة عندما كانت جماعة الإخوان المسلمين فى السلطة
التقارب مع إيران مقلق، لأن إيران ذات نفوذ مسيطر فى مختلف دول المنطقة وخاصة فى المجتمعات الشيعية ومساعداتها للجماعات المسلحة بما فى ذلك حماس وحزب الله ودعمها للإسلامين فى مصر وهذا أمر خطر. كما يجب على مصر أن تحاول تجنب إثارة غضب إسرائيل والولايات المتحدة اللتين يعتبران إيران خصمًا كبيرًا
بكل إنصاف، كلا البلدين ذو نفوذ قوى فى الشرق الأوسط وسيستفيدون فى النهاية من الوقوف معًا. علاوة على ذلك، أوضحت إيران أن العلاقات الأفضل مع مصر ضرورية. ورحب الزعيم الإيرانى آية الله على خامنئى باستئناف العلاقات مع مصر، وصرح الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعانى، أن "الشرق الأوسط بحاجة لإيران ومصر". قد تلعب إيران دورًا معتدلاً من خلال علاقتها بحماس والجهاد الإسلامى فى غزة، بل إن تعزيز العلاقات القوية مع إيران يمكن أن يمنح مصر نفوذاً على مختلف الفصائل المسلحة العاملة داخل غزة. كما قد تلعب مصر دورا محوريا فى تسهيل التوصل إلى حل بين إيران والمجتمع الدولى بشأن القضايا العالقة مثل برنامج إيران النووى ودعمها للميليشيات
كل هذه المقاربات لم تأتِ من منظور عشوائى، بل بنية واضحة مبيتة
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.