الاهرام
إسرائيل سوف تستمر فى تصعيد العمليات القتالية وتسوية غزة بالأرض، وطمس آلاف آخرين من الأبرياء. ومع ذلك، مثل كل الحروب، ستنتهى هذه الحرب عند نقطة ما. ما الذى سوف يحدث آنذاك؟ المسألة شائكة وليس لها إجابة مبسطة
لسنوات طوال، شنت إسرائيل غارات وحشية على غزة وقصفتها بالقنابل مرات ومرات ليعقب الوحشية وقف هش لإطلاق النار، لتعود الأمور إلى وضعها المأساوى القائم منذ عام ٢٠٠٧، حيث يعيش سكان غزة فى سجن مفتوح قائم على الذل. هذه المرة الاختلاف بيِّن. بدأت حماس بقتل آلاف الإسرائيليين؛ وردت إسرائيل بقتل أكثر من ١٣ ألف مدنى حتى الآن. لكن فجأة أصبح العالم أكثر وعيا بمحنة الفلسطينيين والوضع الإنسانى الذى تسبب فى حرب اليوم
إذا تمكنت إسرائيل من إبادة حماس فما الذى سيحدث بعد ذلك؟ من على استعداد لإدارة قطاع سوُّى بالأرض وشعب ملىء بالعذاب والغضب؟ ومن هى القوات التى ترغب فى تولى المسئولية ودفع غرامة وجودها فى غزة؟ أحد السيناريوهات الوهمية هو بقاء إسرائيل فى غزة لتتولى الحكم والإشراف على القطاع، حتى وإن أشار بعض كبار المسئولين الإسرائيليين مرارا وتكرارا إلى أنهم لا يرغبون فى إعادة احتلال غزة. لكن آخرين تعهدوا بتحمل المسئولية الأمنية فى غزة بعد الحرب لأن إسرائيل لا تستطيع المخاطرة بالتخلى عن سيطرتها على غزة. هؤلاء يقولون إنه بغض النظر عن الكيان الذى سيتولى مسئولية الشئون المدنية فى غزة، فإن إسرائيل ستكون السلطة الأمنية الكاملة
وبالطبع فإن هذا الخيار سيكون غير مقبول على الإطلاق من جانب الفلسطينيين، لأنه يمثل عودة الاحتلال الإسرائيلى الكامل. كما أن المآسى تتسبب فى الاستعداد للانتقام والشهادة. وبالتالى، ربما نشهد ولادة جيل جديد من المناضلين. يقول خالد الجندى، مدير برنامج فلسطين والشئون الفلسطينية الإسرائيلية فى معهد الشرق الأوسط: بنفس الرغبة التى لدى الإسرائيليين فى الانتقام، يمكننا أن نفترض أن نفس الدافع الإنسانى سيكون حاضرا على نطاق أوسع بكثير بين الفلسطينيين
فى هذا السيناريو، تتصور إسرائيل غزة منزوعة السلاح، مع عدم وجود حماس لتدافع عنها، لكن الحلقة المفرغة سوف تستمر، حيث سيتكبد جيش الدفاع الإسرائيلى خسائر مفجعة ومتواصلة، لأن ما لا تدركه إسرائيل هو أن المعاناة تولد الكراهية، وأن الإبادة الجماعية غير المسبوقة التى تحملها سكان غزة سوف تطارد المحتلين. هذا السيناريو الأول سوف يفشل فشلا ذريعا
وهناك سيناريو آخر يتمثل فى قوة متعددة الجنسيات تتبع الأمم المتحدة، تضم قوات مصرية وعربية أخرى، لإدارة القطاع. يقول عامى أيالون، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلى: أستطيع أن أرى جنودا مصريين وأردنيين وسعوديين مع المجتمع الدولى يسيطرون على المنطقة خلال المرحلة الانتقالية. إلا أن الدول العربية ستكون مترددة فى المشاركة فى مثل هذا المشروع لأنه يمثل نسخة أخرى من الاحتلال. وتعتقد مصر والعرب أن غزة والضفة الغربية يجب أن يديرهما الفلسطينيون. وقد رفضت مصر مقترحا بإدارة الأمن فى غزة حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تولى المسئولية بعد انتهاء الحرب
مرة أخرى، لا يبدو هذا خيارًا ممكنًا. قد يُطلب من السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، وهو السيناريو الأمثل. لقد تمكنت السلطة الفلسطينية من التعامل مع القمع الإسرائيلى فى الضفة الغربية، وقد يقبل سكان غزة بالسلطة الفلسطينية، لكن إسرائيل سوف تتمسك برفض هذا الخيار، فهى تنظر إلى كل الفلسطينيين، سواء كانوا من حماس أو السلطة الفلسطينية، باعتبارهم نفس الكيان. وفى كل الأحوال، فإن السلطة الفلسطينية مترددة فى الإشراف على غزة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل يشمل الضفة الغربية. علاوة على ذلك، فهى لا تريد أن تبدو وكأنها مؤيدة ومتواطئة لإسرائيل
الولايات المتحدة متحمسة لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، ومغادرة إسرائيل غزة بمجرد انتهاء الحرب. وقال وزير الخارجية أنتونى بلينكن مرارا: يجب أن تخضع غزة لإشراف السلطة الفلسطينية موحدة مع الضفة الغربية، وهو إشارة قوية حول ما تعتبره الولايات المتحدة النهاية المفضلة للحرب. هذا الحل قد يؤدى فى النهاية إلى حل الدولتين. ومصر لها نفس الرأى. مع ذلك، سيكون من الصعب للغاية إقناع الإسرائيليين بمثل هذا الخيار، الأمر الذى يخلق تحديا معقدا للغاية للولايات المتحدة. فهل ستتمكن الولايات المتحدة من إجبار إسرائيل على السير فى هذا الطريق؟ هذا أمر مشكوك فيه للغاية
جميع الخيارات المذكورة أعلاه محفوفة بالمخاطر وغير مقبولة لجميع الأطراف. ومع ذلك، فإن ما سيأتى بعد ذلك ينبغى ألا يكون أقرب إلى السيناريو القديم اليائس إذا كان العالم لا يريد تكرار ما حدث فى أكتوبر ٢٠٢٣
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.