العالم الغربى بأكمله ملم ومدرك بما يحدث فى غزة وما سيكون مصير أهل غزة فى نهاية المطاف. إن اللقطات والصور المروعة تجعل الجميع يشعرون بالاشمئزاز التام من الكارثة، لكنهم، خاصة الولايات المتحدة، يقفون مكتوفى الأيدي
لقد أدانت الولايات المتحدة وبلدان العالم النهج الدموى الذى تبنته حماس فى السابع من أكتوبر، ولكن من المؤسف أنه لم يحدث غضب مماثل عندما قصفت إسرائيل غزة بوحشية وقامت بتجويع مواطنيها لأشهر متتالية. كما دعمت الولايات المتحدة إسرائيل وزودتها بالأسلحة وأعطتها الضوء الأخضر للقيام بأبشع المذابح، واستخدمت حق النقض (الفيتو) ضد قرارات للأمم المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار مما يسمح لإسرائيل بمواصلة إبادتها
ومع استمرار المذابح، فإننا نتساءل: ما الذى يمنع الولايات المتحدة من التصرف على نحو إنسانى؟ ولو كان مرتكب هذه المذابح دولة أخرى لحمّلت الولايات المتحدة قادتها المسئولية واستنكرت الهجوم. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك الهجوم الروسى على أوكرانيا والمدى الذى بذلته الولايات المتحدة والغرب لإدانة روسيا. لماذا إذن تبرر الولايات المتحدة التصرفات الإسرائيلية، وما السبب وراء الدعم الأمريكى غير المشروط لإسرائيل؟
لنكن صادقين مع أنفسنا بشأن الموقف: إنه نفوذ وثروة أنصار إسرائيل، فهم أكثر جماعات الضغط ثراء وأكثرهم نفوذا على الساسة والمشرعين الأمريكيين. بكل إنصاف، لا تستطيع الولايات المتحدة الوقوف أمام اللوبى الإسرائيلى الذى لا يريد أن تقدم إسرائيل أى تنازلات أو تنهى الحرب
إن دعم لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، وغيرها من المنظمات المؤيدة لإسرائيل لشديد. إنهم يتبرعون بسخاء لإسرائيل ولأولئك الذين يدعمونها. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن المشرعين وأعضاء الكونجرس وأعضاء مجلس الشيوخ والرؤساء المحتملين لرئاسة الولايات المتحدة يثنون على إسرائيل للحصول على مساعدات مادية ومعنوية. سوف تنفق إيباك مبالغ هائلة، أكثر مما كانت تنفقه فى الانتخابات الرئاسية السابقة، لهزيمة المدافعين عن فلسطين
والأهم هو قدرة جماعات الضغط، المؤيدين لإسرائيل، على تشكيل المشهد السياسى فى الولايات المتحدة، فهم الأكثر تأثيرًا فى النهج السياسى والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حيث يتلاعبون بالانتخابات ويشكلونها. ينفق هؤلاء المليارديرات الإسرائيليون مبالغ باهظة على السباقات الرئاسية، وعلى انتخابات محافظى الولايات، وعلى الفوز بمقاعد فى الكونجرس ومجلس الشيوخ، وكل ذلك لتحقيق هدف واحد: الحفاظ على دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل. إنهم يتبرعون للحملات، ويرعون إعلانات لدعم مرشحيهم المفضلين، ويهدفون إلى الإطاحة بالمعارضين
وتعانى وسائل الإعلام الأمريكية أيضا سيطرة اللوبى الإسرائيلى الذى يلعب دورًا أساسيًا فى التأثير على الرأى العام الأمريكى. وينعكس تحيزهم فى افتتاحيات الصحف الكبرى: مثل صحيفة نيويورك تايمز والواشنطن بوست، اللتين تنشران بانتظام مقالات مؤيدة لإسرائيل. قال روبرت بارتلي، رئيس التحرير الراحل لصحيفة وول ستريت جورنال ذات مرة: شامير، شارون، بيبى .. كل ما يريده هؤلاء الرجال أمر جيد بالنسبة لى. الهدف من هذه الوسائل الإعلامية هو منع التعليقات المنتقدة لإسرائيل من الحصول على فرصة عادلة فى نظر الجمهور الأمريكى بينما تعمل على تقويض القضية الفلسطينية
وتلاحق جماعات الضغط الإسرائيلية أيضًا خصوم إسرائيل الذين لا يصوِّتون لصالح الحرب الإسرائيلية على غزة أو يدعمونها ويدعمون منافسيهم. ويسعى اللوبى لإسقاط المشرِّعين المناهضين للحرب المؤيدين للفلسطينيين، مثل عضوتى الكونجرس رشيدة طليب وإلهان عمر. وواجهت إلهان عمر، ممثلة ولاية مينيسوتا فى الكونجرس، انتقادات حادة من مؤيدى إسرائيل، وهو الأمر الذى سوف يكبدها صعوبة للترشح للمنصب ذاته مرة أخرى
ولنأخذ مثالا آخر، دعونا ننظر فى الدور الذى تلعبه نيكى هيلى، المرشحة الجمهورية للرئاسة الأمريكية، فى الدفاع عن إسرائيل. خلال فترة عملها كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، روّجت هيلى لإسرائيل بشكل صارخ. وفى رسائل أرسلتها إلى العشرات من ممثلى الدول فى الأمم المتحدة قالت إن الولايات المتحدة تقوم بتسجيل أسماء أولئك الذين يجرؤون على انتقاد إسرائيل. وذهبت نيكى هيلى إلى حد القول: أنا أرتدى الكعب العالى لأنى إذا رأيت شيئًا خاطئًا، فسوف أركلهم. لكن دعم هيلى لإسرائيل أتى بثماره. اليوم، نيكى هيلى هى مرشحة إسرائيل المفضلة للبيت الأبيض وقد تبرع مانحون يهود بارزون لحملتها
ثم بكل عجرفة عندما سُئلت نيكى هيلى عن المكان الذى قد يذهب إليه النازحون من غزة قالت: إلى مصر والدول المؤيدة لحماس مثل قطر وإيران. يجب أن يتوجهوا إلى بوابة رفح وعلى مصر أن تأخذهم
تعتبر قصة نيكى هيلى بمثابة قطرة فى بحر، لأن هذه الاستراتيجية تنطبق على المشرِّعين الأمريكيين أجمعين. ومع الدور الذى يلعبه اللوبى المؤيد لإسرائيل فى السياسة الأمريكية، فليس من المستغرب أن تتجاهل الولايات المتحدة الاعتداءات الإسرائيلية
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.