إن لدى إسرائيل تاريخًا طويلًا فى اختلاق الأكاذيب ليس فقط لإثارة تعاطف الآخرين، ولكن أيضًا لتفادى المسئولية عن أى أعمال وحشية ترتكبها ضد الفلسطينيين، سواء فى غزة أو الضفة الغربية، وهدف الأساسى هو كسب دعم العالم وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم
بدأت الأكاذيب مبكرًا. فى ١٩٤٨، وعلى الرغم من أن ١.٤ مليون فلسطينى كانوا يعيشون فى ١٣٠٠ بلدة وقرية فلسطينية، فإن الفكرة الشائعة التى تناقلتها إسرائيل كانت أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ويؤسس هذا الأسلوب الثقافة الإسرائيلية الأساسية بأن فلسطين ملك للشعب اليهودى
ومنذ ذلك الحين، لم تقف آلات الدعاية الإسرائيلية مكتوفة الأيدى، بل إن الافتراءات مستمرة حتى اليوم. تتكرر الأكاذيب مرارا وتكرارا، ونادرا ما يتم التراجع عنها، فقط لتترك بصمة دائمة على الآخرين
دعنا نُركز على الأكاذيب الملفقة منذ ٧ أكتوبر الماضى. بعد ثلاثة أيام من هجوم حماس، اصطحب الجيش الإسرائيلى الصحفيين فى جولة فى المستوطنات التى تعرضت للهجوم. لا شك فى أن الدمار وخسارة الأرواح كانا واضحين، لكن هل كان لا بد من تعزيز المشهد بالقصص الوحشية؟
أفاد الضباط الإسرائيليون أن ٤٠ طفلا قُتِلوا مقطوعى الرأس. وقال أحدهم للصحفيين إن الأطفال تم تعليقهم على حبل الغسيل. وأكد آخر وفاة أحد الناجين من محرقة الحرب العالمية. وتحدث ثالث عن امرأة حامل طُعنت حتى الموت أمام أطفالها. كما سافر مؤسس المنظمة التطوعية يونايتد هاتسالاه، إلى الولايات المتحدة وأخبر الأمريكيين والرئيس بايدن بالمذابح المروعة التى ارتكبتها حماس. وقال هؤلاء الأوغاد وضعوا الأطفال فى الأفران وأشعلوا الأفران ورأيت أطفالًا صغارًا مقطوعى الرأس. لم نكن نعرف أى رأس لأى طفل، ورأيت بعينى امرأة حاملا فى الشهر الرابع دخلوا منزلها وفتحوا بطنها أمام أطفالها وأخرجوا الجنين وطعنوه أمامها ثم أطلقوا النار عليها أمام عائلتها ثم قتلوا بقية الأطفال
إنها افتراءات كاملة. لم تكن هناك عمليات قطع جماعى لرءوس الأطفال، ولم يتم وضعهم فى الأفران أو تعليقهم على أحبال الغسيل، ولم تكن هناك عمليات إعدام جماعية فى الحضانة. ولم يتم شق بطن أى امرأة حامل وطعن الجنين أمامها. استُخدمت الأكاذيب كسلاح لخلق غضب جماعى لتبرير ما لا يمكن تبريره
ولإضفاء الشرعية على الأكاذيب، كرر الرئيس بايدن هذه القصص بثقة، لكن اضطر البيت الأبيض إلى توضيح أن بايدن قرأ القصص فى التقارير الإخبارية ولم ير بنفسه أى صور أو لقطات
وفى كل مرة ارتكبت إسرائيل عملاً وحشياً أنكرته ليتم التحقق لاحقاً من أنها هى التى ارتكبته بالفعل. على سبيل المثال، اتهمت إسرائيل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) باختراق عناصر من قبل حركة حماس ليشاركوا فى هجمات ٧ أكتوبر. وقال مسئول إسرائيلى المؤسسة ككل هى ملاذ لأيديولوجية حماس المتطرفة. بعد ذلك قامت عدة دول غربية بتعليق المساعدات للأونروا، لكن إسرائيل لم تقدم أى أدلة لدعم ادعاءاتها فاستأنفت هذه الدول تمويل المنظمة
إن كذبة كون المستشفيات مراكز قيادة، سمحت لإسرائيل باستهداف هذه المستشفيات وقتل الآلاف من سكان غزة الذين لجأوا إليها. ادعى الجيش الإسرائيلى أن مستشفى الشفاء هوالقاعدة التى تشن حماس عملياتها العسكرية منه. أدلة إسرائيل كانت ملفقة وغير مقنعة. أظهرت اللقطات التى تداولها الجيش الإسرائيلى بعض الأسلحة والأدوات المتناثرة التى قال عنها مستشار الوزارة الخارجية الأمريكية إن هذه الأسلحة فى حد ذاتها لا تبرر التركيز العسكرى على مستشفى الشفاء. أما اللافتة التى قالوا إنها قائمة تدون أسماء الإرهابيين فكانت لأيام الأسبوع
تبع ذلك مقطع فيديو لممرضة من المفترض أنها فى مستشفى الشفاء، قالت إن حماس تحتجز النساء والأطفال كدروع بشرية وتسرق الطعام والوقود والأدوية من المستشفى. وانتشر الفيديو على نطاق واسع، لكن ثبت لاحقا أنه مفبرك، وأنه لممثلة إسرائيلية مكسيكية
وبالصور واللقطات، تتحدث هيئة الإذاعة البريطانية عن كيفية قيام القوات الإسرائيلية بضرب وإذلال الأطباء فى مستشفى ناصر. وتظهر اللقطات صفاً من الرجال عراة من ملابسهم، راكعين وأيديهم خلف رءوسهم وأثواب طبية ملقاة أمامهم. وقال الأطباء والطاقم الطبى إنه تم صب الماء البارد عليهم، وتعرضوا للضرب بشكل متكرر واحتُجزوا لعدة أيام
نفى الجيش الإسرائيلى تعرض الطاقم الطبى للأذى قائلين إن أى إساءة إلى المعتقلين تتعارض مع أوامر الجيش الإسرائيلى، وبالتالى فهى محظورة تمامًا. إنها نسخة أخرى من إنكار إسرائيل لفظائعها بالأكاذيب والافتراءات
وبينما تلجأ إسرائيل إلى هذه القصص فإنها تواصل مذابحها وسلوكها الإرهابى. ومع ذلك، يمكن للدعاية أن تخفى الإبادة الجماعية المتعمدة إلى حد ما، ولكن فى النهاية دائما وأبدا تُكتشف الأكاذيب
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.