الاهرام
لم يتجسد غضب كافٍ من قبل القوى الغربية بشأن حرب غزة، ولم يتحول إلى تصدٍ أو مجابهة ملموسة، ولم يرق أى تفاعل إلى مستوى الضغوط السياسية الفعّالة. الأهم أنه لم يتم إنشاء أى آلية لضمان عدم استمرار إسرائيل فى مذابح الإبادة الجماعية التى ترتكبها ضد أهالى غزة، فلم تُدنْ إسرائيل أو يُفرض عليها عقوبات استثنائية، بل أُعطيت الضوء الأخضر لتفعل ما تشاء
ويعتبر الغرب نفسه مروِّجاً للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن نيته واضحة: فهو يحمى حلفاءه ومصالحه. على مر السنين، كان العالم الغربى، إن لم يكن يثير الصراعات، فكان يتدخل فى صراع تلو آخر، متخذا صورة المُعين والمؤيد، وهو فى الحقيقة يفرض قبضته القوية لتنتهى فى النهاية بالكارثة
إن الدور الذى تلعبه دول الغرب واضح. بسبب انحيازها ضد القادة أو الدول التى لا تمتثل إلى أسلوبها، فتتحرك تحت راية حماية الأبرياء وتفعيل الديمقراطية. والأمثلة كثيرة؛فقد اعتبرت الولايات المتحدة وبريطانيا صدام حسين لعينًا، فكان لابد من التخلص منه ومن العراق سويا، وحدث الشيء نفسه مع معمر القذافى،ثم محاولات شبيهة مع بشار الأسد. ثم ساعدت الولايات المتحدة جنوب السودان حتى يتمكن من الانفصال عن السودان وتشكيل دولة مستقلة، لكن القتال والمشاحنات فى السودان ما زالت مستمرة. ثم تُركت أفغانستان فى وضع حرج فيما يتعلق بالتعامل مع الطالبان، التى زعمت الولايات المتحدة أنها ستهزمهم. لقد تطفّل الغرب على شئون هذه البلدان وتسبب فى نهاية المطاف فى سقوطها
ولكن لم يحدث أى سخط مماثل بعد أن قتل جيش الدفاع الإسرائيلى ما يقرب من ٣٠ ألفا من سكان غزة؛ ويراقب الغرب، دون اتخاذ أى إجراءات ضد اسرائيل حتى وضحت المعايير المزدوجة
العقوبات هى الإجراء الفورى الذى يتخذه الغرب فى حالة وقوع حدث لا يروق له. وتستهدف هذه العقوبات البلدان بأكملها وتؤثر على معيشة المواطنين الأبرياء. فُرضت عقوبات ضخمة وغير مسبوقة على روسيا بعد غزوها أوكرانيا. واجه العراق عقوبات قاسية فى عام ١٩٩٠ بعد غزوه الكويت. وحتى الآن لا تزال العقوبات مفروضة على كوبا وإيران وكوريا الشمالية وسوريا. ومع ذلك، فإن فكرة أن الغرب سيفرض عقوبات على إسرائيل هى فكرة بعيدة المنال. أشك فى أى إجراء سيعتبر إسرائيل مذنبة، وإسرائيل ملمة بهذا الأمر
إن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل واضح فقد وقعت الولايات المتحدة للتو مشروع قانون يزود أوكرانيا، وإسرائيل، وتايوان بمبلغ ٩٥ مليار دولار، منها ١٤.١مليار دولار مخصصة لمساعدة إسرائيل. وهى لا تزال ترسل إمدادات لا نهاية لها من الأسلحة والعتاد، دون أى قيود على كيفية استخدام هذه الأسلحة، وهى على علم بأن هذه الأسلحة سوف تبيد مدنيين. ولعدة مرات استخدمت واشنطن حق النقض بمجلس الأمن ضد تنفيذ هدنة إنسانية
فى ١١ فبراير استُخدم مقطع دعائى مؤيد لإسرائيل ومشجع للحرب من قبل أحد مؤيديها بلغت قيمته ٧ ملايين دولار وشاهده ما يقارب ١٠٠ مليون مشاهد على منصة مباراة البطولة السنوية لرابطة كرة القدم السوبر بول فى الولايات المتحدة. بالطبع لن يُسمح أبدًا بعرض إعلان مماثل مؤيد للفلسطينيين فى الولايات المتحدة أو أى دولة غربية أخرى
عدم اتخاذ أى إجراء معناه تواطؤ الغرب فى إبادة الفلسطينيين. إجراء وحيد تم اتخاذه ضد إسرائيل وهو منع أربعة متطرفين إسرائيليين من دخول فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة بسبب أعمال العنف ومهاجماتهم لأهالى فى الضفة، لكن هذه الدول لا ترى ما يفعله الجيش الإسرائيلى مروعًا ويستحق عقابًا
فهل القوى الغربية عمياء أم غير قادرة على رؤية الحقيقة؟ وإذا كانوا مدركين للحقيقة، فلماذا لا يغضبون ويتصرفون كما يفعلون عادة فى ظروف أخرى؟ فهل أعمتهم قبضة اللوبى الإسرائيلى عن التصرف بشرف؟ إسرائيل لا يعنيها صرخات الشعوب ضدها ولا تهتم بما تريده الولايات المتحدة، وهذا لأنها أقوى بكثير من العالم الغربى نفسه. ومع وجود العالم فى أيدى حلفاء إسرائيل، فإن أى شيء تفعله إسرائيل لن يشكل رد فعل
بكل إنصاف، لا تملك الولايات المتحدة القدرة على فرض قيود على إسرائيل، لأن إسرائيل لديها اللوبى الإسرائيلى، أقوى هيئة فى الولايات المتحدة، التى تعمل فى الدفاع عنها بالتقليص أو الترويج للأصوات الرئاسية، ودعم أو معارضة أو ملاحقة الشخصيات البارزة أو نشر إعلانات باهظة الثمن لمصلحة مرشح ضد مرشح آخر ليتعين المفضل لديها فى الكونجرس أو حتى الرئاسة
وبينما تفلت إسرائيل من عقاب جرائم القتل والإبادة، فإن القوى العالمية تفشل فشلاً ذريعاً وتخذل سكان غزة لينظر إليها شعوب العالم بسخط واشمئزاز
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.