الاهرام
يبدو أن الغزو الشامل لرفح أصبح فى طى التنفيذ بعد أن نفذ الجيش الإسرائيلى غارات جوية على مناطق شرق مدينة رفح. وقد طلبت إسرائيل من سكان غزة النزوح مرة أخرى من رفح وإخلاء الجزء الشرق من المدينة الذى يؤوى ما يقرب من مائة ألف من اهل غزة. وقد آوت رفح أكثر من مليون من السكان لتصبح الملاذ الوحيد شبه الآمن للنازحين الذين مُنعوا من العودة إلى منازلهم فى شمال أو وسط غزة. ولشهور طوال ظلت مصر والولايات المتحدة ودول أخرى عديدة تؤكد أن أى هجوم على رفح من شأنه أن يؤدى إلى عواقب كارثية، إلا أن إسرائيل تعنتت وخاطرت بالهجوم على رفح
كان المجتمعون للتفاوض فى القاهرة على حافة الوصول الى اتفاق لوقف إطلاق النار، وقد أعلنت الأهرام أن حماس قبلت الاتفاق على وقف إطلاق النار الذى تم التفاوض عليه فى مصر. واحتفل أهالى غزة بموافقة حماس على الاقتراح المصرى وبقدوم السلام الا ان الاقتراح لم يلق قبولاً من إسرائيل، خصوصا انه فى اثناء انعقاد المفاوضات قُصفت منطقة كرم أبو سالم، مما أدى إلى مقتل ثلاثة جنود، إسرائيليين وإصابة ١١ وقد يكون العامل الرئيسى فى السرعة الحالية التى قررت بها الحكومة الإسرائيلية، أولاً، إغلاق المعبر أمام المساعدات، وثانياً، مهاجمة رفح.حالياً مصر والوسطاء الآخرون يحاولون جاهدين احتواء العملية فى رفح وعدم تصعيدها.وهكذا عدنا إلى المربع الأول: عدم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار حتى الآن والغزو الشامل لرفح بات وشيكاً
أين مصر من كل هذا؟ تحد مصر قطاع غزة من الجنوب وهذا القرب يعنى ان مصر تلعب دوراً حيوياً للقطاع فى أوقات السلم والحرب. كما أن عزم مصر على التوصل إلى نهاية للحرب وكثافة جهودها لوقف التصعيد ورفضها تهجير سكان غزة ومساعداتها الإنسانية المتواصلة يجعلهاوسيطاً استثنائياً.مما لا شك فيه أن مصر معنية بالاضطرابات والقتال فى غزة ومتأثرة تماما بكل ما يستجد من أمور
وتحاول مصر جاهدة إنجاح اتفاق الهدنة وتبذل جهودا مكثفة مع مختلف الأطراف لاحتواء ازمة رفح وإنهاء مأساة الشعب الفلسطينى ككل. ولولا موقف مصر المتوازن وغير المندفع لتفاقمت الأمور فى المنطقة بأكملها. وتستمر القاهرة فى استضافة وفود قطر والولايات المتحدة وحماس وإسرائيل لاستكمال المباحثات، واحتواء الوضع والتوصل الى هدنة شاملة
ومصر، رغم الضغوط الاقتصادية والسياسية، لم تقف مكتوفة الأيدى او موقف المتفرج، بل قدمت قدراً كبيراً من المساعدات لغزة. أطلقت مصر قوافل مساعدات ضخمة إلى غزة لتوصيل إمدادات الإغاثة الحيوية كما وصل المئات من الجرحى والمصابين من غزة لمصر للعلاج. ستظل مصر وسيطًا قويًا ومستقرًا فى الصراع وعليها أن تستمر فى الدعوة إلى السلام والوقف الدائم لإطلاق النار، والضغط على العالم الحكيم للمطالبة بفض النزاع والحرب
لم تواجه مصر أى مشكلة فى الترحيب باللاجئين من أكثر من ٦٢ دولة. واليوم، يوجد ٩ ملايين لاجئ فى مصر، ويعيش هؤلاء حياة طبيعية آمنة بين المصريين. لكن الأمر أكثر تعقيدا مع سكان غزة. إن رفض مصر السماح للملايين من سكان غزة بدخول مصر يرجع إلى الخوف من أن إسرائيل تعتزم طردهم طرداً أبدياً كمثل الجيل السابق من اللاجئين الفلسطينيين، وهو أمر غير مقبول
لقد تمكنت مصر وإسرائيل من العيش جنباً إلى جنب فى سلام منذ توقيعهما اتفاق كامب ديفيد فى عام ١٩٧٩. ولكن الوضع اليوم محفوف بالمخاطر خصوصا إذا تسبب الهجوم الإسرائيلى على رفح فى حدوث ثغرة فى الحدود، وبمجرد تجاوز او تحطيم الحدود، تتلاشى المعاهدات والاتفاقيات. وها قد أبلغت مصر إسرائيل بخطورة الموقف على الحدود. ولهذا السبب رفعت مصر مستوى استعدادها العسكرى فى شمال سيناء تحسبًا لامتداد الأحداث واليوم مع الهجوم على رفح استنفرت مصر قواتها المرابطة فى سيناء. لا شك فى أن الأجهزة الأمنية فى مصر تشكل قوة يحسب لها ألف حساب، وهى القوة التى ينبغى لإسرائيل، فى خضم الخلاف بينها وبين أعدائها الكثيرين، أن تحذر منها
إن ما تفعله مصر مُنهِك لكنه صواب. فمصر مستعدة لكل السيناريوهات ولها سيطرة قوية وفعالة على حدودها، ولن تغامر بخوض أى حرب لم تبدأها، ولن تأخذ على عاتقها ذنوب الآخرين، وهو ما من شأنه زعزعة استقرارها وتحطيم جهودها التنموية
مصر ستظل وسيطًا قويًا ومستقرًا فى الصراع ومقدمًا للمساعدات الإنسانية والدعم الطبي. وتظل مصر قلب العالم العربى والشرق الأوسط ومستمرة فى تقديم الدعم لغزة المحاصرة وإرسال المساعدات الإنسانية فى حين تبذل كل ما فى وسعها للتفاوض على اتفاق سلام
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.