الاهرام
إن الإدارة الأمريكية تدرس جلب بعض الفلسطينيين من غزة كلاجئين للولايات المتحدة. ما هى تداعيات هذه العملية وما مدى تأثيرها على أهالى غزة المحاصرين؟ مؤخراً، ناقش كبار المسئولين الأمريكيين الخيارات المختلفة لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة كأمر وارد. الخيارات المختلفة غير معروفة لنا، ولكن الخيار الوحيد الذى تم الكشف عنه هو إمكانية جلب بعض سكان غزة إلى الولايات المتحدة
إن تفكير الولايات المتحدة فى السماح للفلسطينيين بالدخول كلاجئين يمثل تحولاً فى ممارسات الحكومة الأمريكية التى كانت لا تسمح للاجئين الفلسطينيين بدخول الولايات المتحدة. فى عام ٢٠٢٣ قبلت الولايات المتحدة ٥٦ لاجئًا فلسطينيًا فقط من بين أكثر من ٦٠ ألف لاجئ سُمح لهم باللجوء
إذا وافق الكونجرس على هذا المشروع، فإن أولئك المسموح لهم بالدخول بموجب هذا المخصص الجديد، سيخضعون بلا شك للسلسلة المعتادة من الفحوصات الأهلية والطبية والأمنية وقد تستغرق سنوات على الأرجح، ولن تساعد سكان غزة المحاصرين الذين يعيشون الكابوس اليوم. للتأهل للحصول على صفة اللاجئ، يجب على المتقدمين إثبات أنهم مضطهدون فى بلادهم ويندرج بالطبع الفلسطينيون ضمن هذه الفئة، ولكن قد يكون ذلك محفوفًا بالمخاطر بالنسبة للبيت الأبيض. كيف يمكن أن يظل تقارب الرئيس بايدن لإسرائيل فى أثناء جلب اللاجئين لحمايتهم من الاضطهاد الإسرائيلى؟
ولماذا هذا التغيير المفاجئ؟ فى ظاهر الأمر، إنها بادرة إيجابية وإنسانية تجاه الفلسطينيين، ولكنها، بكل إنصاف، بادرة لا معنى لها لأنها لن تؤثر على ٢.٤ مليون من سكان غزة الذين يعانون الجوع والبؤس. أما إذا كانت الولايات المتحدة تخطط لاستقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين فستكون لفتة محاباة للفلسطينيين ظاهريا، لكنها فى الحقيقة تحابى نيتانياهو وحكومته على الإبادة الجماعية، لأنها تمهد لإخلاء غزة من شعبها. إن أى توطين للفلسطينيين خارج غزة من شأنه استرضاء الإسرائيليين الذين أرادوا تهجير وترحيل سكان غزة منذ البداية. لو كان الأمر بيدهم، لشتتوا الفلسطينيين فى جميع أنحاء العالم. لذا، وعلى الرغم من أن الأمر يبدو وكأنه عمل إيجابى تجاه الفلسطينيين، فإنه يغذى وجهة النظر الصهيونية تمامًا
ربما يكون للرصيف البحرى الذى تبنيه الولايات المتحدة فى غزة هدف مزدوج. فالسبب الرئيسى هو إدخال المساعدات إلى غزة، ولكن قد يكون له استخدامات أخرى أيضًا، فوفقا لنيتانياهو، فإن الميناء يمكن أن يسهل إخراج الفلسطينيين من غزة
علاوة على ذلك، يأمل الرئيس بايدن أن يرضى بجلب الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة بعض الناخبين الغاضبين للغاية من أسلوبه فى التعامل مع الهجوم الإسرائيلى على غزة. لم يبق سوى ستة أشهر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأرقام الرئيس بايدن آخذة فى التضاؤل. والولايات المتأرجحة، كما يسميها البعض، مثل ولاية ميشيجان، قد تُكلف بايدن الانتخابات لأنها موطن أكبر جالية عربية وإسلامية فى أمريكا. تصويتهم قد يكون احتجاجيًا مدفوعًا بعدم الرضا عن طريقة تعامل بايدن مع الحرب فى غزة. ويؤكد الاستطلاع الذى أجرته صحيفة نيويورك تايمز فى ست ولايات متأرجحة – ميشيجان وأريزونا ونيفادا وجورجيا وبنسلفانيا وويسكونسن – ذلك، قائلين إن ١٣٪ ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم سيغيرون دعمهم لبايدن بسبب سياسته فى غزة. لكن السماح للفلسطينيين بالاستقرار فى الولايات المتحدة قد يسبب المزيد من التحديات للرئيس بايدن. ورغم أن الديمقراطيين قد يوافقون بالسماح لسكان غزة باللجوء، فإن الجمهوريين سيصوِّتون ضده. وقال الجمهوريون، بما فى ذلك ترامب وغيره من المرشحين الرئاسيين، إن الولايات المتحدة ينبغى ألا ترحب باللاجئين الفلسطينيين، ويعتبرونهم معادين للسامية ويشكلون خطرا محتملا على الأمن القومى. فى أكتوبر، بعد هجوم حماس على إسرائيل، قدم الجمهوريون مشروع قانون أطلق عليه اسم قانون غزة، وكلمة غزة بالإنجليزية هى اختصار ضمان عدم قبول المعتدين مطلقا
وأوضح رونالد دى سانتوس، المرشح الرئاسى الجمهورى السابق، رفضه للمشروع مستهيناً بالعرب والرئيس بايدن أيضاً: هناك تقرير يفيد بأن جو بايدن يفكر فى استيراد مجموعة من العرب الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الولايات المتحدة. لم أكن أعتقد أن بايدن كان مجنونًا بما يكفى ليفعل ذلك… أن تأخذ أشخاصًا من هذا الجزء من العالم وتستورد وقود الدم إلى بلادنا، فهذا ليس فى مصلحتك أو فى مصلحة عائلتك
إنها معضلة بالنسبة للرئيس بايدن، ومع ذلك، حتى لو تمكن بايدن من جلب بعض اللاجئين من غزة، وهو أمر يصعب تحقيقه، فذلك لن يحسِّن من أرقام مؤيديه كثيرًا أو من صورته أمام ناقديه، وبالطبع فلن يساعد الفلسطينيين،الذين يأملون بشدة فى وقف إطلاق النار، الذى من شأنه أن يعيد حياتهم إلى طبيعتها
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.