الاهرام
منذ اللحظات الأولى كان السباق الرئاسى الأمريكى محفوفا بالمخاطر والتناقضات. اليوم نرصد اللحظات المحورية التى شكلت السباق والتى أدت إلى الوضع يومنا هذا
السباق كان محاطًا بالدراما، وأسابيع من الشد والجذب تحكمت فى المشهد السياسى. أصبح الرئيس ترامب أول رئيس سابق تتم إدانته ليس فى قضية جنائية واحدة، بل فى أربع قضايا جنائية. وقد اتُهم بمجموعة واسعة من الجرائم التى ارتُكبت قبل وفى أثناء وبعد رئاسته. تبع ذلك المناظرة بين بايدن وترامب التى تلعثم بايدن فيها ولم يتمكن من السيطرة على أفكاره لبضع ثوانٍ.كان أداؤه مدمرا للغاية، حتى إن بعض أعضاء حزبه طالبوه بالتخلى عن السباق الرئاسى، ثم ازداد أعداد الديمقراطيين والداعمين الذين طالبوه بعدم تكملة السباق. كما أن حكم المحكمة العليا بشأن كيفية حصانة الرئيس الأمريكى من الملاحقة القضائية كان بمثابة ضربة أخرى. القانون يعرض الديمقراطية للخطر لأنه يفلت الرئيس من جميع التهم القانونية الخطيرة، ولا يمكن محاكمته على أفعال تقع ضمن صلاحياته فى أثناء توليه الرئاسة
بالفعل السباق الرئاسى كان يواجه محنًا هائلة، ومع ذلك فإن محاولة اغتيال ترامب أغرقت السباق فى أشد المحالك. محاولات اغتيال الرؤساء الأمريكيين والمرشحين الرئاسيين وقادة الحقوق المدنية فى الولايات المتحدة قد حدثت من قبل، من اغتيال الرئيس لينكولن عام 1865، إلى عشرات المحاولات الأخرى، تعكس محاولات الاغتيالات هذه بعضًا من أحلك اللحظات فى التاريخ الأمريكى. على سبيل المثال لا الحصر، تم اغتيال جون كيندى، وروبرت كيندى، ومارتن لوثر كينج، ومالكولم إكس فى أثناء الحملات الانتخابية أو التجمعات. فى بلد يسهل فيه الوصول إلى الأسلحة ويعتبر إطلاق النار أمرا شائعا، لا تصبح حوادث اغتيال القادة حوادث معزولة. وقال الرئيس بايدن منتقدا حادثة ترامب: «لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك. إن فكرة وجود عنف كهذا فى أمريكا لم يسمع بها من قبل». الحقيقة أن هذا العنف شائع فى الولايات المتحدة
ندد الجميع بالهجوم، الجمهوريون والديمقراطيون منهم. وندد الرئيسان السابقان أوباما وبوش بحادثة إطلاق النار على ترامب، وأدانها زعماء العالم أيضًا. لكن الكثيرين ألقوا باللوم على خطاب الطرفين باعتباره السبب الرئيسى وراء الهجوم، ومع تزايد حدة الانقسام العميق بين الجمهوريين والديمقراطيين اعتبر كلا الطرفين الآخر تهديدًا وجوديًا. فقد أكد الديمقراطيون أن الفوضى ستسود إذا فاز ترامب، وانضم الكثير من وسائل الإعلام، خاصة «سى إن إن» وصحيفة «نيويورك تايمز»، فى تشويه ترامب، لكن ترامب نفسه كان مهينا بشأن بايدن وأدائه أيضا واعتبره ضعيفًا وفاشلًا، ووصفه بـ «بجو النعسان» بين مصطلحات مهينة أخرى
لكن اليوم، عقب إطلاق النار، تغير الخطاب مؤقتًا. وطالب كثيرون بالكياسة و«خفض درجة الحرارة». ودعا الحزبان إلى «الوحدة الوطنية والهدوء». قد يكون التغيير رد فعل فوريًاعلى محاولة اغتيال ترامب، لكننى أشك فى أنه سيستمر، لأن محاولة الاغتيال تم استغلالها بالفعل من قبل وسائل الإعلام والطرفين، فألقى البعض باللوم بشكل صارخ على بايدن فى الهجوم بسبب اعتبار الرئيس دونالد ترامب فاشيا استبداديا ويجب إيقافه بأى ثمن
والأهم من ذلك أن حملة ترامب استفادت كثيرا من المأساة التى كادت تنهى حياة ترامب. أولا، نجا ترامب من المحاولة، حتى لو كان الحظ لعب دورا استثنائيا، ثانيا، وفقا لبلومبرج، «فجأة بدا أن السرد الذى صاغه ترامب على مر السنين حول كيفية سعى الجميع للنيل منه قد تم التحقق منه». ثالثا، سوف يستغل القائمون على حملة ترامب كل قطرة ممكنة من المكاسب من إطلاق النار. فى كل مرة يثير فيها الديمقراطيون نقطة ضارة ضد ترامب، سيزعم الجمهوريون أنهم يعرضون حياة ترامب للخطر. وفى كل مرة يتم ذكر تمرد السادس من يناير عندما اقتحم حلفاء ترامب مبنى الكابيتول هيل، سيتهمهم الجمهوريون بالتحريض على العنف فى 13 يوليو ومحاولة قتل ترامب
ترتب على كل هذا تغيير جذرى فيما قد استجد فى الانتخابات: قبل شهر من انعقاد المؤتمر الوطنى الديمقراطى وقبل أشهر قليلة فقط من توجه الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسهم المقبل 2024، انسحب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسى ودعم نائبته كامالا هاريس للمنصب. وبين عشية وضحاها تمكنت هاريس من الحصول على عدد كاف من الداعمين لتأمين ترشيح الحزب الديمقراطى،وأثارت طفرة فى جمع التبرعات وضبطت أحوال الحزب الذى بدا أنه يتجه نحو الهزيمة
واليوم بعد هذا الكم من الشد والجذب من الذى سيقنع المنتخبين بأنه الأفضل؟ من الذى سيمتلك زمام القوة ليجنى الرئاسة؟ إنها الانتخابات الأمريكية يا سادة ولابد أن تغمرها التقلبات والمنعطفات
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.