الاهرام
لنكن عادلين، ليس جميع أعضاء الكونجرس متواطئين مع إسرائيل، فلم يحضر الخطاب نصف الأعضاء الديمقراطيين وعضو جمهورى واحد. وعلى الرغم من أن الديمقراطيين ما زالوا يدعمون إسرائيل بأغلبية ساحقة، فإنهم ينتقدون نيتانياهو وعدم مبالاته للخسائر البشرية الفلسطينية ومقاومته للدعوات الأمريكية للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما أن صبرهم بدأ ينفد بشكل متزايد إزاء تقلباته فى مفاوضات وقف إطلاق النار، التى تشير إلى نيته الواضحة بعدم الالتزام بها
ولم تحضر نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس أو نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب السابقة الخطاب بسبب تضارب جدول أعمالهما وهى أعذار واهية لتجنب حضور الخطاب. بيرنى ساندرز سناتور فيرمونت الديمقراطى قال فى تغريدة على تويتر: لا ينبغى الترحيب بنيتانياهو فى الكونجرس الأمريكى. على العكس يجب إدانة سياساته فى غزة والضفة الغربية ورفضه دعم حل الدولتين بشدة. وانتقدت بيلوسى خطاب نيتانياهو ووصفته بأنه أسوأ خطاب لأى شخصية أجنبية رفيعة المستوى تم دعوتها وتكريمها بامتياز مخاطبة الكونجرس الأمريكى. ورفعت النائبة رشيدة طليب، من ميشيجان، لافتة خلال خطاب نيتانياهو كُتب عليها مجرم عالمى من جهة ومذنب بارتكاب إبادة جماعية من جهة أخرى
لكن دعونا الآن نتعمق فيما حدث من قبل باقى أعضاء الكونجرس خلال الخطاب وما إذا كان تصرفهم يؤكد تواطؤهم فى الكارثة. كملاحظة جانبية، لنتخيل لو تمت دعوة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للتحدث أمام الهيئة التشريعية الرئيسية فى بلد ما، وقد صفق له الحاضرون تصفيقًا حارًا ووقفوا امتنانا لكلماته 50 مرة، كيف كان سينظر الغرب إلى مثل هذا الحدث؟ إن المعايير مزدوجة والنفاق علنى وساحق
لدى دخوله القاعة، استُقبل نيتانياهو بصيحات الاستحسان، وهلل الحاضرون وصفروا، وسارع النواب لمصافحته ولتحيته. وقد حظى نيتانياهو بترحيب حار من رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الذى قال: اليوم وكل يوم، يجب على أمريكا أن تقف جنبا إلى جنب مع إسرائيل. وحضر إيلون ماسك، الرئيس التنفيذى لشركة تسلى ومالك تويتر الخطاب وجلس بجانب زوجة نيتانياهو
وصفق الحاضرون لانتقادات نيتانياهو للأمريكيين الذين احتجوا ضد الحرب، ووصفهم بأنهم عملاء إيران وأغبياء ويجب أن يخجلوا من أنفسهم. وحاول إقناع المشرعين الأمريكيين بأن معركتنا هى معركتكم! انتصارنا سيكون انتصاركم! وطلب المزيد من الدعم قائلا امنحونا الأدوات بشكل أسرع وسننهى المهمة بشكل أسرع، وتعهد بمواصلة الحرب حتى النصر الكامل
خلاصة القول إن نيتانياهو مُنح فرصة التحدث لأكثر من ساعة إلى هذه الهيئة الموقرة لتعزيز دعمهم لهجومه على غزة وعندئذ هتف الحاضرون له. واستفاد نيتانياهو كثيرا لأن حضور الأغلبية الساحقة من الأعضاء سمح له بالقول بأنه حصل على دعم أمريكى واسع لجهوده الحربية المستمرة التى يمكن أن تساعده فى تهدئة المعارضة الشديدة داخل إسرائيل، وبالتالى فقد مُنح نيتانياهو الضوء الأخضر للاستمرار فى الإبادة الجماعية
ولم يوضح خطاب نيتانياهو طريقا واضحا للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، وهو أمر كان أى شخص لديه ذرة من الإنسانية يرغب فى سماعه. ولم يتناول الانتقادات الموجهة إليه للطريقة الشرسة التى اتبعها فى الحرب التى أراقت الدماء وتسببت فى المجاعة. ولم يفصح نيتانياهو عن أى تنازلات، بل قدم بدلاً منها سلسلة من الكليشيهات المصاغة للاستهلاك هذا ليس صراع الحضارات، هذا صراع بين البربرية والتحضر
وادعى أنه بعد هزيمة حماس ستظهر غزة جديدة، وهو تعليق مثير للسخرية إلا إذا كان يقصد غزة إسرائيلية، لأن نيتانياهو لن يقدم شبراً واحداً من الدعم لغزة الفلسطينية
وعلى الرغم من أن العديد من أعضاء الكونجرس لم يتواجدوا لسماع الخطاب، وأن آخرين وجهوا كلمات انتقاد قاسية لنيتانياهو، فإن حقيقة دعوته للتحدث فى المقام الأول، فى حين يواصل الجيش الإسرائيلى قتل الأطفال والنساء أمر يثير الاشمئزاز. أما تهليل المشرعين فى أثناء حديثه فيؤكد عماهم ولا مبالاتهم ويجعلهم متواطئين فى الإبادة الجماعية
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.