الاهرام
المعلومات المضللة هى معلومات يتم تقديمها بقصد الخداع المتعمّد، وبإمكانها خلق تداعيات مروِّعة والتسبب فى اضطرابات فى المجتمع الذى تستهدفه. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث فى بريطانيا مؤخرا، فى مذبحة شرسة طعن وقتل شابٌ فى بلدة ساوثبورت الساحلية ثلاث فتيات صغيرات وأصاب عشرة آخرين. ولأن القانون البريطانى لا ينشر أسماء المشتبه بهم الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا، فقد أثارت كذبة على موقع إكس البلبلة، وصنفت الجانى بأنه مهاجر مسلم، وفى غضون ساعات قليلة، تضاعفت المعلومات مرات. كان الجانى فى الواقع شابًا يبلغ من العمر 17 عامًا، وُلد فى كارديف ببريطانيا لأبوين من رواندا، وليس له أى صلة بالإسلام. أثارت المعلومة المضللة غضبًا مناهضًا للهجرة، وتسببت فى أعمال شغب يمينية متطرفة ضد المسلمين وطالبى اللجوء. حتى بعد أن عُرف أصل الجانى، استمر مثيرو الشغب فى استهداف المساجد والمنازل التى تؤوى طالبى اللجوء، ولا تزال أصداء التضليل محسوسة حتى اليوم
المعلومات المضللة تتعمد نشر الأكاذيب والتأثير على الرأى العام. يمكن أن تشمل الأمثلة الشائعات التى يتم تمريرها كحقائق، أو القصص الملفقة، أو التشهير المستهدف، أو الخداع، ولكن القصد واحد: نشر السخط، وتشويه الشخصيات، وتشويه السلطات. فى معظم الأحيان. تعمل المعلومات المضللة على تعزيز أجندات وعقليات معينة وتتلاعب بالضحايا للتفكير بطريقة سلبية محددة
ازدهرت المعلومات المضللة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعى. لا يستخدم الأفراد فقط، بل أيضًا الوكالات والحكومات، المعلومات المضللة لصالحهم. أحد تكتيكات التضليل هو نشر عدد هائل من الرسائل ذات المحتوى نفسه. فمثلا لمخطط التضليل الإسرائيلى للدعاية الإسرائيلية أهداف عديدة أحدها هو تحسين صورة جيش الدفاع الإسرائيلى. التغريدات التى تضع هذا الهدف فى الاعتبار تغمر القراء: «جيش الدفاع الإسرائيلى هو الجيش الأكثر أخلاقية فى التاريخ الحديث، ويفعل كل شيء لحماية المدنيين»؛ «لقد قام جيش الدفاع الإسرائيلى بتنفيذ فترات توقف تكتيكية يومية فى مناطق محددة لتحقيق أقصى قدر من الإخلاء الآمن للمدنيين»؛ «أجرى جيش الدفاع الإسرائيلى 20 ألف مكالمة، وأسقط 1.5 مليون منشور، وأرسل 4.4 مليون رسالة نصية قصيرة و6 ملايين رسالة صوتية فى شمال غزة لحث المدنيين على الإخلاء حفاظاً على سلامتهم»؛ و«إن الجيش الإسرائيلى يفعل أكثر من أى جيش فى تاريخ الحرب لحماية المدنيين». توجد الآلاف من التغريدات المماثلة على وسائل التواصل الاجتماعى، لخداع الآخرين للاعتقاد بأن جيش الدفاع الإسرائيلى بريء، بينما يقتل بوحشية الفارين المدنيين الأبرياء ويجوِّع الآخرين حتى الموت
تواجه مصر المعلومات المضللة التى تهدف إلى إحداث الفوضى عن طريق نشر القصص الملفقة عبر وسائل التواصل الاجتماعى. المواضيع المشار إليها لا نهاية لها، لكن الهدف واحد: إثارة السخط. قد تتطرق القصص إلى احتجاجات مزيفة، أو تباطؤ فى إنجاز الأعمال، أو خسائر أوليمبياد باريس، أو زيادة أكيدة فى أسعار السلع، أو إبادة الأشجار التى تسببت فى درجات الحرارة هذا الصيف. وقد خلقت إسرائيل حصتها من الأكاذيب عن مصر مثل: وجود الأنفاق بين غزة وسيناء، وتهريب الأسلحة من سيناء إلى غزة، والجانب المصرى أغلق المعبر إلى غزة وموافقة مصر على بقاء القوات الإسرائيلية فى معبر صلاح الدين (فيلادلفيا)، وجميعها كذب وافتراء
إذن، كمتلقين للأخبار، كيف نتعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات المضللة؟ أولاً، يجب أن نكون على دراية بالافتراءات التى تغلف محيطنا بالفعل، ونحاول بذل قصارى جهدنا فى تحديد المعلومات المضللة مقابل المعلومات الموثّقة، وأن نتعلم كيفية تجنب الوقوع ضحايا لمخالبها. الأهم يجب التحقق من صحة المعلومة عن طريق المواقع الإخبارية الرئيسية، وإذا كانت القصة التى تقرؤها تظهر فى مصدر واحد ولم تظهر فى مصادر أخرى، فهى مختلقة. يجب أن تكون المصادر الموثوقة، مثل جريدة الأهرام، مصدر التحقق الخاص بك
إن الكثير مما نقرؤه أو نشاهده ليس أخبارًا، بل أشكال أخرى من المعلومات. كمتلقين للأخبار، يجب علينا أن نتعلم التعرُّف على الفرق. يوجد خط ضبابى بين المعلومات مقابل مقالات الرأى، أو الإعلانات، أو الترفيه، أو الدعاية، أو المعلومات المضللة البحتة. فلنتعلم التمييز بين الأخبار الموثوقة والإعلانات التسويقية، أو الصورة التى حُرِّفت بالفوتوشوب، أو اللقطات المصممة بتقنية الذكاء الاصطناعى. كما يجب التأكد من أن القصة حديثة وليست قصة تُشاع من جديد. كما أن بعض القصص عبارة عن دعابة أو محاكاة ساخرة وعلينا أن نميزها ولا نعيد نشرها كقصص حقيقية، والأهم من ذلك، التحقق والتأكد قبل المشاركة
لن تختفى المعلومات المضللة؛ بل على العكس تمامًا. والأمر متروك لنا، كمتلقين مطلعين على الأخبار، لفك رموز ما نتلقاه بأفضل ما فى وسعنا
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.