الاهرام
ماذا يحدث لمجتمع يصبح نصف أفراده بلا دور ولا هوية مرئية؟ ما هى النتيجة بالنسبة لبقية المجتمع عندما يحدث ذلك: النسل، والنسيج العائلى، والاستقرار الاجتماعى؟ وكيف يبدو مستقبل هذا المجتمع؟
كانت حياة المرأة الأفغانية فى عقود سابقة بعيدة كل البعد عن حياتها اليوم. لقد كانت محمية بموجب القانون، وكان بإمكانها التصويت، وكانت تتمتع بالمساواة، ولم يكن تعدد الزوجات مسموحا به، ولا تتم الزيجات حتى تبلغ الفتيات 21 عامًا، وعلى الرغم من شيوع الملابس التقليدية، اختارت بعض النساء الملابس القصيرة والأزياء الغربية. وكانت المرأة الأفغانية تشكل نسبة كبيرة من القوى العاملة. كانت القاضيات ووكلاء النيابة والمحاميات عضوات ناشطات فى المجتمع، وكان عدد كبير منهن ممرضات، وطبيبات، ومعلمات، ويعملن فى الجامعات، والشركات الخاصة، وشركات الطيران. واختارت أخريات أن يكنّ شاعرات وفنانات. هذه كانت المرأة الأفغانية
لكن اضطربت الحياة فى أفغانستان لأكثر من أربعة عقود، حيث تحملت المرأة الأفغانية وطأة قمع تمرد المجاهدين وغزو الاتحاد السوفيتى. ولم يكن المجاهدون، الذين تحولوا فيما بعد إلى تنظيم القاعدة والطالبان، أقوياء للغاية، ولكن الولايات المتحدة ودولا أخرى زوّدتهم بكميات كبيرة من الأسلحة عبر باكستان للإطاحة بالسوفيت، وفى عام 1989 انسحب السوفيت بالفعل من أفغانستان، لكن استمر وجود المجاهدين
اندلعت الحرب الأهلية بعد الانسحاب، ولكن بحلول عام 1996، كان المجاهدون المعروفون أيضًا بالطالبان فى السلطة الكاملة. وهنا بدأ تقليص دور النساء وتم تجريدهن ببطء، ولكن بثبات من هوياتهن وحقوقهن الإنسانية الأساسية، ليتم محوهما من المجتمع بشكل واضح مستفز
لقد وفر الغزو الأمريكى لأفغانستان فترة راحة وبعض الأمل للنساء والفتيات، ولكن بعد عشرين عاما، انسحبت القوات المسلحة الأمريكية من أفغانستان فى عام 2021. وعاد الطالبان بقواعدهم الصارمة عندما استولوا على البلاد مرة أخرى. ارتدوا عن أى وعود قطعوها على أنفسهم، ولجأوا إلى طرقهم الأصلية، وحينئذ فقدت النساء الأفغانيات هوياتهن مرة أخرى
واليوم تشاهد أفغانستان تحت حكم الطالبان أسوأ سجلات حقوق الإنسان فى العالم، والحرب ضد المرأة مروعة بشكل خاص. وتحت رعاية وزارة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الأفغانية، يتم تجريد المرأة من كل حقوقها الإنسانية
ووفقا للطالبان، ينبغى للمرأة ألا تتعلم؛ ومع هذا الحكم القمعى، تلاشت فرص المرأة فى أن تعيش حياة طبيعية: يرتدين الشادور الذى يغطيهن من الرأس إلى أخمص القدمين، ولا يستطعن الذهاب إلى العمل أو السفر بحرية دون ولى أمر. فى الواقع، فهن مسجونات فى منازلهن ويُحرمن من الحصول على الرعاية الصحية الأساسية والتعليم والتنقل ومستبعدات من الحياة العامة ويواجهن خطرا كبيرا بالتعرض للاستغلال أو سوء المعاملة أو الزواج المبكر
تتحدث طالبة لجوء إلى الولايات المتحدة لشبكة تليفزيونية عن وضع المرأة فى أفغانستان وتقول: «توقفت عن الذهاب إلى المدرسة فى عام 2007 عندما كنت طفلة أبلغ من العمر 11 عامًا.. جاء مجموعة رجال إلى بابنا وهددوا والدى، إذا واصلت الذهاب إلى المدرسة، فسوف يقومون بإلقاء الحمض على وجوهنا أو اختطافنا». أمضت سنوات حبيسة منزلها. على مر السنين، لم تغادر المنزل إلا مرتين فى السنة
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاستثمار فى تعليم المرأة يعزز مجتمعا أكثر توازنا وازدهارا، فماذا يحدث لمجتمع نصف أعضائه عاطلون عن العمل؟ ماذا سيحدث لمجتمع تظل نساؤه مهمشات؟
ويتبادر إلى ذهنى قول حافظ إبراهيم الشاعر المصرى: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق. وبالتأكيد تعليم المرأة هو بمثابة تعليم المجتمع ككل، وإذا افتقد المجتمع هذا العمود الصلب فالتعثر والعوائق ستصيبه وتصيب ذريته
الخاسر الأول هو الأسرة، وفى المقام الأول الأطفال. فالمرأة المتعلمة تعطى الأولوية لتعليم أطفالها، وتتخذ لهم خيارات صحية واجتماعية أفضل، وتقدم لهم التوجيه والمشورة السليمة. وعندما تعجز الأم عن توفير هذه الضروريات، تكون النتيجة مجتمعا يفتقر إلى الأساسيات
ولا تعانى الأسرة فحسب، بل المجتمع ككل. ففى المجتمع الذكورى يصبح الرجال هم صناع القرار حتى فى خيارات المرأة وحقوقها. وتواجه النساء أيضًا، بسبب ضعفهن، العنف والاعتداء الجنسى والإساءة، ولا يتمكنّ من اتخاذ قرارات بشأن صحتهن الجنسية والإنجابية أو حقوق أطفالهن
تحاول العديد من النساء فى أفغانستان سرًا تثقيف أنفسهن وتثقيف النساء والفتيات الأخريات، لكن الأغلبية يقعن ضحية القواعد القمعية التى وضعها الطالبان. قد تحاول أقلية الدراسة، لكن لسوء الحظ، لا يمكنهن أداء الامتحانات أو الاستفادة بما قد تعلمنه
دعونا نأمل ألا يصل ما تعيشه النساء الأفغانيات إلى النساء فى أى مكان آخر، فالبرهان واضح الآن عن الفشل الذريع والتفكك الكامل الذى يصيب المجتمع بفقد النساء التعليم
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.