الاهرام
إيران ــ إسرائيل.. سياسة البقاء للأقوى
تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023. ويتقلب الوضع بين ضربات، ثم توقف متوتر، ثم المزيد من الضربات، ثم حذر، ثم المزيد من الهجمات للانتقام أو حفظ ماء الوجه. من الواضح أن كليهما يلعب لعبة العين بالعين، لكنهم على علم بأن حربا واسعة النطاق لن تفيد، لذا فإن الهدف هو الظهور بمظهر الأقوى فى هذه المعركة
لقد أضاءت إيران سماء تل أبيب ومدن أخرى فى إسرائيل بطائرات بدون طيار وصواريخ، وبضربات محددة ومنظمة، هاجمت إسرائيل إيران. أراد كلٌ منهما الظهور للعالم، وللمدنيين الإيرانيين والإسرائيليين، أنهما يستطيعان. وفى كل الهجمات تم إخطار الولايات المتحدة مسبقًا، وبالتالى أخطرت الولايات المتحدة إسرائيل بنيات إيران ليتوّج هذا السيناريو بفكرة: سنهاجم لذا احذروا
وغنىٌّ عن القول إن الضحايا الحقيقيين هم شعوب لبنان وغزة والضفة الغربية، حيث تعمل هذه المواجهات على تهميش المآسى التى تشهدها المنطقة وعرقلة أى أمل متبقٍ فى تحقيق انفراجة فى محادثات السلام الراكدة، فبينما يُركز العالم على النزاع الإيرانى الإسرائيلى، يتم تجاهل الدمار فى غزة ولبنان.
لم تكن إيران متورطة بشكل مباشر فى هجوم أكتوبر، لكنها بلا شك قدمت الدعم المادى والحربى ووكلاء إيران فى جميع أنحاء المنطقة، سواء حماس أو حزب الله أو الحوثيون، كانوا شوكة فى خاصرة إسرائيل منذ 7 أكتوبر. الجبهات كثيرة: تهاجم حماس من داخل غزة، ويهاجم حزب الله الحدود الشمالية لإسرائيل، ويهاجم الحوثيون السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل، والجماعات المدعومة من إيران فى العراق وسوريا يطلقون الصواريخ والقذائف باتجاه إسرائيل
وبطبيعة الحال، لم يقبل الإسرائيليون أن يصبحوا متهاونين وأن يتركوا للإيرانيين اليد العليا، لذلك بدأوا سلسلة هجمات على الجبهة الإيرانية. فى 1 أبريل، تم تدمير المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية فى مجمع السفارة الإيرانية فى دمشق بغارة جوية إسرائيلية وتسبب فى مقتل ستة عشر شخصا. وتوعدت إيران بالرد على قصف السفارة الإيرانية. وفى سابقة من نوعها، شنت إيران هجوما عسكريا مباشرا على إسرائيل. وشوهد وابل من أكثر من 300 صاروخ وطائرة فى سماء إسرائيل، لكن تم اعتراضها وإسقاطها من قبل إسرائيل وحلفائها الغربيين. وردت إسرائيل فى 19 أبريل، بغارة جوية محدودة على رادار دفاع جوى قريب من موقع نووى فى إيران. ثم اغتيل زعيم حماس السياسى إسماعيل هنية فى طهران بينما كان يحضر حفل تنصيب الرئيس الإيرانى المنتخب حديثاً
ومرة أخرى، شعرت إيران بأن عليها الرد لاستعادة الردع. فى 1 أكتوبر، أطلقت إيران 200 صاروخ على إسرائيل. وقام الجيش الأمريكى بنقل طائرات ومدمرات دفاعية ضد الصواريخ الباليستية إلى المنطقة، وقال الرئيس بايدن: “بفضل عمليات النشر هذه والمهارة غير العادية لأفراد خدمتنا، ساعدنا إسرائيل فى إسقاط جميع الطائرات بدون طيار والصواريخ القادمة تقريبًا”. وكانت آخر حلقة من هذه الحلقات المفزعة هو الهجوم الإسرائيلى الأخير. قصفت إسرائيل مواقع عسكرية فى إيران فى 26 أكتوبر، لكنها لم تستهدف المنشآت النفطية والنووية الحساسة
وقال الجيش الإسرائيلى فى بيان: «النظام فى إيران ووكلاؤه فى المنطقة يهاجمون إسرائيل بلا هوادة منذ 7 أكتوبر - على سبع جبهات - بما فى ذلك الهجمات المباشرة من الأراضى الإيرانية». «مثل أى دولة أخرى ذات سيادة فى العالم، لدولة إسرائيل الحق وواجب الرد». وقالت إسرائيل إن طائراتها قصفت منشآت لتصنيع الصواريخ تستخدم لإنتاج الصواريخ التى أطلقتها إيران على إسرائيل خلال العام الماضى، والتى شكلت «تهديدا مباشرا وفوريا لمواطنى إسرائيل». لكن وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية قالت إن الهجمات الإسرائيلية لم تسبب أى أضرار جسيمة
هل ستكون هذه هى الجولة الأخيرة؟ هل انتهت الأزمة؟ قالت وزارة الخارجية الإيرانية إن إيران لها الحق وملزمة بالدفاع عن نفسها، لكنها أضافت أنها «تعترف بمسئولياتها تجاه السلام والأمن الإقليميين»، وهو بيان أكثر تهدئة مما قيل بعد كل موجة تصعيد سابقة. وقال بنى سبتى، خبير الشئون الإيرانية فى معهد تل أبيب لدراسات الأمن القومى، إن الضربة الإسرائيلية تبدو وكأنها تهدف إلى منح طهران فرصة لتجنب المزيد من التصعيد. ويأمل العالم أجمع أن تتراجع إيران عن شن المزيد من الأعمال الانتقامية، لكن الجدل لا يزال يدور حول كيفية الرد على انتهاك إسرائيل لسيادتها الوطنية الإيرانية. وإذا لم تتلاش هذه الدوامة التصعيدية، فقد ينتهى بها الأمر إلى التحول إلى حرب شاملة، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة، ولا يستطيع الشرق الأوسط تحمله
إذا لم يتباطأ ويهدأ الصراع بين إيران وإسرائيل، فإن العواقب ستكون وخيمة على الإسرائيليين، والإيرانيين، والفلسطينيين، واللبنانيين، والشرق الأوسط برمته
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.