الاهرام
مقاومة التضليل
وصل التدفق الحالى للمعلومات المضللة عن مصر إلى مستوى قياسى. القصص مليئة بالأحداث الملفقة، يعرض بعضها ما يظنه البعض صورًا حقيقية، والبعض الآخر موثق بالأرقام والإحصائيات المخترعة، وجميعها ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعى وبالطبع يتأثر بها المجتمع المصرى
تهدف هذه القصص إلى التأثير على الرأى العام من خلال نشر السخط وتشويه الشخصيات وسمعة السلطات. كما أنها تعزز أجندات معينة وتتلاعب بتفكير الضعفاء، كما أنها تتعمد تأجيج الانقسام والاستقطاب ومثيره للجدل
لقد سمحت وسائل التواصل الاجتماعى بازدهار المعلومات المضللة، وعندما تعتمد النفوس البريئة على معلومات ملفقة، فإن الاختيارات التى يتخذونها تكون خاطئة وليست فى مصلحتهم أو مصلحة الآخرين. وهذا هو الحال بشكل خاص إذا قاموا بتمرير مثل هذه المعلومات المضللة إلى الآخرين، فتسمح لها بالانتشار بسرعة. ولسوء الحظ، نحن المصريين، نميل إلى القيام بذلك، فنحن نستمتع بتسليط الأضواء على أنفسنا، وبالتالى ننشر ما نصادفه كما لو كنا من ذوى الخبرة والمعرفة
وقال الرئيس السيسى مؤخرًا إن الحكومة المصرية واجهت 21 ألف شائعة مسيئة خلال 3 أشهر. وأوضح أن الخطر الحقيقى على مصر يأتى من أن الشائعات يمكن أن تشجع على كراهية السلطات وتؤدى إلى الإرهاب، وطالب المصريين بالحذر من كثرة الأكاذيب والشائعات والافتراءات
للاستهلاك المحلى، تم نشر قصة تؤكد أن أسبوع العمل الحكومى سيتكون من ثلاثة أيام؛ تم تعزيزه بتلفيق قصة أن الدراسة ستكون ثلاثة أيام فقط أيضًا. كلتا القصتين كانتا افتراءات مفبركة
وصورة مصرى، يُفترض أنه فى رأس الحكمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، واقفا بجوار لافتة «مرحبا بكم فى الإمارات العربية المتحدة»، فى حين أنه فى الواقع التقطها على الحدود بين قطر والإمارات العربية المتحدة. وأثارت الصورة ضجة بين متابعى مواقع التواصل الاجتماعى
وقصة دير سانت كاترين مثيرة للضحك. القصة المفبركة تكلمت عن مخططات لهدم أو نقل الدير. ونفى محافظ جنوب سيناء وجود أى نية بشأن هدم أو نقل دير سانت كاترين، مشيرا إلى أن هذه الأخبار محض شائعات وافتراءات
وعندما ظهرت أنباء عن رفع سعر الغاز الطبيعى للمنازل بما يتراوح بين 40 و100 قرش للمتر المكعب، اضطرت وزارة البترول تأكيد عدم وجود تعديل فى أسعار الغاز الطبيعى المخصص للمنازل
والأخطر هو القصص التى تهدف إلى تشويه صورة مصر عالميا. ظهرت قصة تقول للعالم إن مصر تساعد إسرائيل فى الإبادة الجماعية فى غزة، وهى قصة كاذبة تماما، والهدف واضح: تشويه صورة مصر. القصة تتعلق بالسفينة كاثرين المسجلة فى البرتغال وتبحر تحت العلم الألمانى، متجهة إلى إسرائيل حاملة متفجرات. وزعمت المعلومات المضللة أن السفينة رست فى الإسكندرية لتوفير ملاذ آمن للسفينة، وأنها أفرغت حمولتها لإرسالها إلى إسرائيل. وفى الواقع، سُمح للسفينة بالرسو فى ميناء الإسكندرية فقط لتفريغ شحنة لصالح وزارة الدفاع والإنتاج الحربى. وقالت الوزارة إنه بمجرد تفريغ حمولتها المحددة لمصر، غادرت واتجهت إلى ميناء حيدر باشا فى تركيا. القصة تفتقر إلى المصداقية. لماذا تحتاج السفينة إلى الرسو فى الإسكندرية، وتفريغ حمولتها الإسرائيلية ليتم إرسالها إلى إسرائيل عن طريق البر أو البحر، وهى بإمكانها الرسو فى إسرائيل، على بعد مسافة قصيرة جدًا؟
خلاصة القول هى أن مصر غارقة فى القصص الملفقة التى تثير غضب الجمهور. فكيف يمكننا كمتابعين لوسائل التواصل الاجتماعى التغلب على هذه القصص والتحكم فى عدم خروجها عن السيطرة؟
على المستوى الرسمى، يعد توفير معلومات دقيقة والحفاظ على الشفافية أحد الطرق لمواجهة المعلومات المضللة. إن مواكبة المصريين للأحداث وتزويدهم بالتفاصيل والحقائق لا يترك مجالا للشكوك والشائعات. هذا بينما يجب على السلطات دحض مثل هذه القصص بسرعة وكفاءة
كما يجب علينا أن ندرك أن المسئولية تقع على عاتقنا حتى لانلبى طموحات مقدمى المعلومات المضللة. يعد التحقق من الحقائق أمرًا بالغ الأهمية وفى هذا العصر، عندما يكون الوصول إلى المعلومات فى متناول أيدى المرء، فمهمة الجميع التحقق، وإذا كان هناك شيء يبدو غير قابل للتصديق أو مشكوكًا فيه، فقد يكون كذلك
ويجب علينا دائمًا متابعة المواقع الموثوقة والتدقيق فى مصادر الأخبار. وعلينا أن نطرح الأسئلة العقلانية. فهل من الممكن أن تكون هذه الحادثة قد حدثت أم أنها بعيدة الاحتمال؟ هل هى متحيزة؟ هل توقيتها مناسب؟ هل يتم نشر القصة من مصدر واحد فقط أو يتم تأكيدها من خلال دور نشر معروفة؟ هل الصور واضحة أم ربما تم تحريفها؟ والأهم من ذلك أننا لا نشارك إذا شككنا فى المصدر
بالتأكيد تشكل المعلومات المضللة تهديدًا كبيرًا على المجتمع
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments
You can follow this conversation by subscribing to the comment feed for this post.