الاهرام
ازدواج المعايير.. القانون الرسمى للغرب
لقد ثبت أن الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، يعتقدان أن القانون الدولى لا ينطبق على مجتمعاتهم وقراراتهم، ويعتبران أن ثقافة الغرب هى التى تملى القواعد لتضع الغرب فوق الجميع
وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن «الولايات المتحدة تعتقد أن القانون الدولى ذو أهمية. وتقول «نحن نساعد فى تطويره، ونعتمد عليه، ونلتزم به، وله – على عكس بعض الانطباعات – دور مهم فى دستور أمتنا وقانونها الداخلى.» وعلى الرغم من هذا الفكر، يبدو أن الولايات المتحدة غير راغبة فى الالتزام بالقانون الدولى. وبناء على ذلك، إذا عارضت الولايات المتحدة أو حلفاؤها قضية ما، فيُنتهك القانون الدولى بشكل صارخ؛ وتتخذ الولايات المتحدة موقفا غافلا تماما عن قواعد الإنصاف والحق
توازن القوى يتغير. ومع خلوها من أى التزام تجاه الغرب، بدأ العديد من الجبهات والأطراف الأخرى فى ترسيخ أنفسها، حيث تقف روسيا والصين وأعضاء آخرون فى مجموعة البريكس، وعدد كبير من بلدان عدم الانحياز النامية، وقفة مختلفة ضد الغرب
وبما أن الغرب كان يمارس دائما الهيمنة على العالم، حيث يملى ما هو صواب وما هو خطأ وفقا لتفضيلاته، فإن المشرعين فى الغرب يغضبون عندما تتعارض قضية ما مع المسار المحدد، وآنذاك تنكشف معاييرهم المزدوجة. ومن الأمثلة على الطريقة التى يتجاهل بها المشرعون الأمريكيون القانون الدولى ويعتبرون الولايات المتحدة وحلفاءها، خاصة إسرائيل، فوق القانون القانون الذى صدر فى سبتمبر 2024 المسمى «قانون الإجراءات المضادة لعدم الشرعية». يهدف هذا القانون إلى فرض عقوبات على أولئك الذين يستهدفون الولايات المتحدة وإسرائيل ويفرض عقوبات على الذين يطبقون قرارات المحكمة الجنائية الدولية ويشاركون أى جهد للتحقيق أو اعتقال أو احتجاز أو محاكمة أى شخص محمىٌّ من قبل الولايات المتحدة وحلفائها
ليندسى جراهام، عضو مجلس الشيوخ الأمريكى عن ولاية كارولينا الشمالية، يقود مجموعة المفكرين المتحيزين. وبعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء نيتانياهو ووزير الدفاع السابق جالانت، هدد جراهام بفرض عقوبات على كل من ينفذ أوامر الاعتقال حتى الحلفاء منهم، ومحاصرتهم اقتصاديا إذا امتثلوا لهذه الأوامر وتعدوا على أفراد بعينهم. وقال أيضًا:إن قرارات المحكمة الدولية لا تنطبق على إسرائيل، أو الولايات المتحدة، أو فرنسا، أو ألمانيا، أو بريطانيا العظمى، لأنه لم يتم صنعها لملاحقتنا نحن
أعضاء آخرون فى الكونجرس ثاروا بالمثل من اتهام حليف للولايات المتحدة بارتكاب أعمال إجرامية. أحدهم قال: «الولايات المتحدة تقف بحزم إلى جانب إسرائيل وترفض السماح للبيروقراطيين الدوليين بإصدار أوامر اعتقال بلا أساس للقيادة الإسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم كاذبة» وآخر قال: المحكمة الجنائية الدولية هى محكمة صورية وكريم خان متعصب مختل. الويل له ولكل من يحاول تنفيذ هذه الأوامر الخارجة على القانون
يعنى هذا أن حلفاء الولايات المتحدة معصومون من الخطأ، ويعنى أيضا أن الولايات المتحدة تشوِّه صورتها بعدم تطبيق القوانين التى سخرتها لهدم الآخرين. اعتبرت الولايات المتحدة نفسها دائمًا منقذ العالم، أفعالها جميعها صحيحة، ولا تخطئ أبدًا، وتلتزم تمامًا بالقانون، وهذه الصورة تتآكل ببطء
هذا يعنى أيضًا أن العالم مرغم على أن يتبع المبادئ التوجيهية التى وضعها الغرب بدون حق. وتعتقد الولايات المتحدة أيضا أن قيمها قادرة على جعل العالم مكاناً أفضل، ولكن عندما تفشل الولايات المتحدة فى الالتزام بالمبادئ التوجيهية التى تضعها للآخرين، فإنها تفقد تفوقها ومصداقيتها وهيبتها العالمية
ومع عدم توافق العالم مع كل ما تحرض عليه الولايات المتحدة أو تدعو إليه، تصبح صورة الولايات المتحدة ملطخة، وتتشوه مكانتها
إن الاتساق فى السياسة الخارجية يشكل أهمية بالغة إذا كان الغرب راغبا فى الظهور بمظهر القوة الرائدة. إن المعايير المزدوجة تقوِّض القانون الدولى وجميع الدول التى تلتزم به. إن المبادئ التوجيهية التى يتوقع الغرب من روسيا أن تتبعها فيما يتعلق بأوكرانيا لابد أن تكون نفس المبادئ التوجيهية التى من المتوقع أن تتبعها إسرائيل ومؤيدوها فيما يتعلق بغزة. إذا صدرت مذكرة اعتقال للرئيس بوتين، فيجب أن يحصل نيتانياهو وجالانت على نفس المعاملة
فماذا يتعين على الولايات المتحدة والغرب أن يفعلاه للتغلب على هذه المعضلة؟ أولاً، يجب عليهم أن يطبقوا المبادئ التوجيهية التى وضعوها فى الأصل للعالم على أنفسهم. ثانياً، يجب على الغرب أن يتجنب المعايير المزدوجة لأن المعايير المزدوجة تعنى عالماً بلا معايير على الإطلاق. ثالثاً، يتعين على الغرب أن يتخلى عن سلطته غير الملزمة بالقانون الدولى؛ القوانين هى قوانين، وهى تنطبق على الجميع
سوف يتقبل الغرب عند نقطة معينة موجة التغيير الحالية
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments