الاهرام
البشر إسوة أينما كانوا
يتعاطف المستمع على الفور مع من يُذكر بالاسم ويتفهم ظروفه ومأزقه. بينما إذا لم يذكر اسم الشخص، فإنه يبقى مجرد عدد لا وجود له، وهذه هى محنة الفلسطينيين بشكل عام، خاصة أولئك الذين تم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية خلال وقف إطلاق النار الحالى
من خلال مناداة الشخص باسمه، فإنك تضفى عليه طابعًا إنسانيًا. دعونا نعود بضع سنوات إلى حادث إطلاق النار الذى وقع ضد مصلين مسلمين فى مسجدين فى مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا عام 2019، الذى خلّف 50 قتيلاً. تعهدت رئيسة وزراء نيوزيلندا آنذاك، جاسيندا أردن، بعدم ذكر اسم المسلح مطلقًا حتى لا يتم إضفاء طابع إنسانى عليه. قالت: «أناشدكم أن تذكروا أسماء الذين قُتلوا بدلاً من اسم القاتل، إنه إرهابى. إنه مجرم، إنه متطرف، وعندما أتحدث فلن أذكر اسمه
فى أول تبادل أسرى، تحولت إميلى دامارى ورومى جونين ودورون شتاينبريشر، الرهينات الإسرائيليات العائدات إلى ديارهن بعد 15 شهراً فى الأسر، الي شخصيات مألوفة فُحصت حياتهن من كل زاوية. على شاشات العالم وانتشرت صورهن قبل احتجازهن وهن ضاحكات، مما جعلهن وجوهًا دارجة. وفى الـساعات التى سبقت إطلاق سراحهن، تعرفنا عليهن ليس فقط بالاسم، بل بالإصابات التى أصبن بها ثم أعمارهن وخلفيتهن وعلاقاتهن العائلية وجنسيتهن
بمجرد إطلاق سراحهن، قيل لنا إن الرهينات قد وصلن بسلام إلى الأراضى الإسرائيلية. قالت سى إن إن إنهن استقبلن استقبالا باهرا، وكانت اللحظة التى التقت فيها الأمهات ببناتهن مؤثرة للغاية. ثم قيل لنا إنهن بصحة جيدة، وهو ما يُعزى على الفور إلى صمودهن وقوتهن، وليس إلى حسن المعاملة. قيل لنا إن عملية التعافى من المتوقع أن تكون طويلة ومؤلمة. وتم تحديد العلاج الذى سيتلقينه؛ لن تبحث الفرق الطبية الإسرائيلية عن الإصابات فحسب، بل ستبحث أيضًا عن المشكلات النفسية. لقد قيل لنا مرارا وتكرارا إنهن عشن فى الأنفاق لمدة 15 شهرا ولم يرين الشمس وتنفسن الهواء الملوث. وأشارت وسائل الإعلام الغربية إلى أنهن فى حاجة ماسة إلى فترة طويلة من التعافى، وربما لن يتمكن أبدًا من التغلب على المحنة المأساوية التى واجهنها. ولإجراء مزيد من التقييم والعلاج، يجب عليهن البقاء فى المستشفى للمدة اللازمة للتأكد من سلامتهن
أنا أوافق على أنها لحظة استثنائية للعائلات والأصدقاء مع عودة أحبائهم المفقودين إلى ديارهم. أنا لا أستنكر بأى حال من الأحوال مدى روعة هذه اللحظة
ومع ذلك، فإن تجريد الفلسطينى من إنسانيته إلى حد عدم ظهور أى لقطات لأى سجين محرر فى وسائل الإعلام الغربية هو أمر معيب للغاية. لقد شاهدت وسائل الإعلام الغربية لساعات متواصلة على أمل أن أرى لمحة من التعاطف تجاه الفلسطينيين المفرج عنهم، لا شيء على الإطلاق. ولم يقتصر الأمر على عدم ذكر أسمائهم، بل تجاهل الإعلام هوّياتهم وفرحة عائلاتهم
يتعين لفت نظر وسائل الإعلام الغربية لتعصبهما الأعمى: يستحق الفلسطينيون نفس الحقوق والأهمية، فهم أيضا بشر. إن ثمانية عشر ألف فلسطينى، بعضهم مجرد أطفال، والبعض الآخر فى سن المراهقة، وبعضهم فى الأسر لسنوات دون أن توجه إليهم أى تهمة، يستحقون المزيد من الاحترام والتقدير. وأيضًا سيحتاج السجناء المفرج عنهم إلى علاج طبى مماثل،إن لم يكن أشد بعد التعذيب الذى تعرضوا له أثناء أسرهم. وفقًا لصحيفة الجارديان، «لقد أصبح العنف والجوع الشديد والإذلال وغيره من أشكال الإساءة للسجناء الفلسطينيين أمرًا طبيعيًا فى جميع السجون الإسرائيلية»، حتى مع سوء المعاملة هذه فإن وسائل الإعلام الغربية لم تمنحهم الاهتمام، بل ظلوا مجهولى الهوية ومجردين من إنسانيتهم. ألا يستحقون بعض التعاطف والإشفاق؟
ننتقل إلى القنوات المصرية لنشاهد الجانب الآخر من القصة. فى الدفعة الأولى تمت تسمية السجناء التسعين المفرج عنهم بالاسم مع ذكر أعمارهم أيضًا. تم عرض مشاهد التقائهم بذويهم: كان استقبال خالدة جرار مذهلا وقد بدت فى حالة من الذهول وعدم الإدراك. احتُجزت خالدة فى الحبس الانفرادى فى زنزانة مساحتها 2.5 × 1.5 لمدة ستة أشهر. وركزت القنوات المصرية على فرحة أهل غزة بالسماح لهم بالرجوع إلى ديارهم، وشوهدوا يلهثون ويركضون عائدين سيرًا على الأقدام يحملون بالكاد أى متعلقات، يلتمسون أى وسيلة نقل مثل الدراجات وعربات الكارو ليعودوا إلى المنازل المدمرة بالكامل. إنها قصص إنسانية لمعاناة شعب
إن المعايير المزدوجة واضحة. فهل سيتعرف العالم من خلال الإعلام الغربى على واحدة من أبشع الحروب فى تاريخ عصرنا هذا؟ يستحق الفلسطينيون أن يتم ذكر أسمائهم والاعتراف بهم أيضًا. أيها الاعلام الغربى: كن عادلاً وأقل تحيزاً
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments