الاهرام
كيفية التعامل مع الولايات المتحدة
يرتاب ويرتبك العالم من قرارات الولايات المتحدة الصادمة. تحاول الدول وقادتها، على حد السواء، التعامل بحكمة للتغلب على الآثار السلبية الناتجة عن هذه القرارات، ويسأل الجميع أنفسهم عن الأسلوب الأسلم للتعامل مع القرارات الفاصلة من أجل حماية اقتصاد بلادهم ومكانتها وحدودها ومكاسبها. هل يعارضون مطالب الرئيس ترامب أو ينحنون لها؟ هل يستسلمون أم يقاومون؟
إن الرئيس ترامب اليوم يختلف كثيرا عن الرئيس ترامب فى رئاسته السابقة. هذه المرة الملايين من الأمريكيين يساندونه ويمنحونه تفويضا مطلقاً لتحقيق وعوده لهم. لذا رفض ترامب العمل بالمعايير الدبلوماسية القائمة، وأخبر العالم بأن الولايات المتحدة هى التى تتخذ القرارات، ولن يؤثر أى تسامح أو حسن نية تجاه صديق أو عدو على كيفية تعامله مع الأمور
فى البداية، كنت تحت الانطباع بأن الطريقة الوحيدة التى يجب على دول وقادتها اتباعها، هى محاولة الحفاظ على ملكية قراراتهم ومصلحة بلدانهم وعدم المساس بها مع الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة خلال الأوقات العصيبة الحالية، محاولين معاملة القرارات الصعبة، التى تبديها الولايات المتحدة، بحكمة وعقلانية، لكن الموازنة بين النقيضين أمر صعب
كنت أيضًا تحت الانطباع بأن اتباع نظرية «خذ وهات» هى الطريقة الوحيدة الصائبة. من خلال الود وليس المواجهة تتآلف الدول مع الرئيس ترامب حتى ولو ظاهريا، وعندئذ فقط يمكنهم تحقيق مطالبهم. إن القادة الذين نجحوا فى تحقيق بعض الانتصار هم أولئك الذين أعطوا الرئيس ترامب مكانته واستمعوا له بدون تحدٍ
لقد سارع القادة الأوروبيون إلى الولايات المتحدة. حاولوا استعادة دور لأنفسهم ولأوكرانيا بعد أن تم استبعادهم من المحادثات الأمريكية الروسية. جلس رئيسٌ تلو الآخر إلى جانب الرئيس ترامب فى البيت الأبيض محاولا الحصول على بعض التنازلات. لقد تعمّد الرئيس الفرنسى ماكرون القدوم إلى البيت الأبيض كصديق وليس كخصم؛ وأثنى على الرئيس ترامب قائلاً «عزيزى دونالد». فى نفس الوقت راجع الحقائق عندما قال ترامب إن أوروبا ستسترد 60% من المساعدات المقدمة لأوكرانيا. قال ماكرون «لا، فى الواقع لقد دفعنا 60% من الجهد الإجمالى، وكان ذلك من خلال القروض والضمانات والمنح، مثل الولايات المتحدة
أدرك رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر فى أثناء زيارته للبيت الأبيض أن أفضل طريقة للتعامل مع الرئيس الأمريكى هى الاعتراف بهيمنته، ثم قدم له دعوة رسمية لزيارة بريطانيا بتوقيع الملك تشارلز. وقد أسعد هذا ترامب وجعله يقبل الدعوة على الفور. كما أبلغه بزيادة الإنفاق الدفاعى إلى 2.5٪ من الناتج المحلى الإجمالى البريطانى بحلول عام 2027، وهو ما قوبل بإيجابية من ترامب
لكن حدثت الكارثة الكبرى: زيارة الرئيس الأوكرانى فلوديمير زيلينسكى إلى البيت الأبيض، التى لم تستمر أكثر من ساعة. لقد كان مشهدًا مخجلا، ودفع زيلينسكى الثمن وتعرض للتوبيخ العلنى وطُرِد من البيت الأبيض دون توقيع اتفاقية تقاسم المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، التى يُنظر إليها على أنها مفتاح الدعم الأمريكى للهدنة مع روسيا. ولإنقاذ ما دُمِّر فى تلك الزيارة، وافقت بريطانيا وفرنسا وأوكرانيا على العمل على خطة لوقف إطلاق النار. وسيقدمون الخطة إلى الولايات المتحدة للموافقة عليها، وهو ما يشكل مفتاح نجاحها
ورأينا أيضًا أسلوبًا آخر للتعامل: أسلوب كندا. عندما فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 25% على كل شىء كندى،استغل رئيس الوزراء الكندى ترودو أسلوب «الخذ والهات» وعرض على ترامب خطة تعاون على الحدود للحد من الهجرة وتدفق عقار الفنتانيل القاتل. وكان ذلك كافياً لتأجيل تنفيذ التعريفات الجمركية على كندا لمدة شهر. لكن بعد شهر أعاد ترامب التعريفات الجمركية على السلع الكندية، فانتقد رئيس الوزراء الكندى ترودو قراره قائلاً إنه عمل «غبى». كما فرض تعريفات جمركية انتقامية بنسبة 25% على سلع بمليارات الدولارات مستوردة من الولايات المتحدة
وتفاعلت المقاطعات الكندية أيضًا بنفس النهج. مقاطعة أونتاريو، أول مقاطعة نفذت ضريبة تصدير بنسبة 25% على الكهرباء التى تُغذى ولايات كثيرة فى الولايات المتحدة، ومنعت استيراد الخمور الأمريكية، وأنهت عقدًا مع خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية المملوكة لإيلون ماسك حليف ترامب، وسوف تقطع المقاطعة الطاقة الكندية تمامًا عن الولايات الأمريكية إذا تم تصعيد التعريفات الجمركية الأمريكية. مقاطعات مانيتوبا ونوڤا سكوشا وكيبيك بصدد التفاعل بطريقة مماثلة. وبعد بضع ساعات فقط من إعلان الرسوم الجمركية تراجع ترامب عن حربه مع كندا وأجل فرض الرسوم مؤقتًا، مما جعل الجميع يتساءلون عما إذا كانت التدابير الانتقامية الكندية قد نجحت فى تغيير موقف ترامب. هناك استراتيجيتان مختلفتان تحدثان اليوم. سيتعين علينا الانتظار لمعرفة أيهما سيحقق نتائج أفضل
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى
Comments