الاهرام
هل تجاوز الاقتصاد المصرى المحنة؟
واجهت مصر تحديات اقتصادية حرجة؛ ومع ذلك، تشير الإحصاءات الحالية إلى أن الاقتصاد المصرى ربما قد تجاوز هذه المرحلة ويُظهر علامات تعاف. نتعمق هنا فى العوامل التى أسهمت فى هذا التحول ونستكشف آفاق الإمكانات المستقبلية. فى يوليو 2023، أعلن وزير المالية المصرى آنذاك، محمد معيط، أن نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى ستصل إلى 97%، بزيادة بلغت 16.8% عن العام السابق، فى إشارة إلى أن التباطؤ الاقتصادى أمر لا مفر منه. تسببت عوامل لا حصر لها فى هذا التباطؤ. أثارت كوفيد-19 أزمة اقتصادية عالمية؛ وبالطبع ناب مصر من العناء جانب. وهدّد غزو روسيا لأوكرانيا الأمن الغذائى المصرى،لأنها كانت تستورد 85% من وارداتها من القمح من أوكرانيا وروسيا. ثم أثرت الحرب على غزة فى السياحة، وتسببت فى انخفاض عائدات قناة السويس التى انخفضت بنحو 50% فى 2023/2024. كما تسبب تقلب أسعار الصرف فى ضغط على احتياطيات البلاد من النقد الأجنبى. وتسبب النقص الحاد فى الدولار فى تراكم البضائع فى الموانى، وعجزعن استيراد المنتجات الضرورية، وتسارعت معدلات التضخم إلى مستوى قياسى بلغ 38%. هذا فى حين انخفضت التحويلات المالية بنسبة 30%، نتيجة تراجع تحويلات العمالة المصرية فى الخارج
فى الواقع، كانت الصورة قاتمة. أما اليوم، فقد تغيرت الصورة إلى صورة أكثر إيجابية. فقد وافق صندوق النقد الدولى اليوم على الجزء الأكبر من برنامجه لمصر المُقدر بقيمة 8 مليارات دولار، مما أدى إلى توقعات بنمو الاقتصاد المصرى فى عام 2025. وجاء فى بيان صندوق النقد الدولى أنه «على الرغم من التوترات الإقليمية المستمرة التى أدت إلى انخفاض حاد فى عائدات قناة السويس، واصلت السلطات المصرية تنفيذ سياسات رئيسية للحفاظ على استقرار الاقتصاد». وتؤكد الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ما ذكره صندوق النقد الدولى. «من المتوقع أن يبدأ نمو الاقتصاد المصرى فى التعافى تدريجيًا، حيث من المتوقع أن يصل معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى إلى 3.5% و4.2% فى عامى 2025 و2026 على التوالى، مقارنةً بـ 2.5% فى عام 2024»
كما يشهد الاقتصاد انتعاشًا ملحوظًا. حيث من المتوقع أن ينخفض إجمالى الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى 82.6% فى عام 2025. فى عام 2022، بلغ صافى الاحتياطيات الأجنبية 34 مليار دولار. واليوم، يتجاوز الاحتياطى 47 مليار دولار، مما يوفر حماية من الصدمات الخارجية. كما نجحت مصر فى استقرار سوق الصرف الأجنبى وحلت اختناقات سلاسل التوريد. يتجه التضخم نحو الانخفاض وهو عامل رئيسى لجودة حياة الأفراد. فقد انخفضت معدلات التضخم للشهر الرابع على التوالى إلى 12.8% فى فبراير 2025، بانخفاض عن 24% فى يناير. وحسّنت مصر من صادراتها. ففى عام 2024، بلغت الصادرات المصرية أعلى مستوى لها على الإطلاق، محققةً 40 مليار دولار، وهو ما يُمثل ربع الناتج المحلى الإجمالى
مع قرار تحرير سعر الصرف، شهدت السياحة، وهى قطاع حيوى للاقتصاد المصرى، تغييراً قوياً. زار 8 ملايين سائح مصر فى عام 2021؛ وفى عام 2023، بلغ عدد السياح 14.9 مليون؛ وفى عام 2024، 15.7 مليون؛ مما يشير إلى انتعاش قوى للقطاع. كان تحسين القدرة الزراعية أمراً أساسياً؛ وكان تقليل الاعتماد على القمح المستورد أمرا مبدئياً. خصصت الحكومة المصرية ميزانية تبلغ نحو 116.6 مليار جنيه للاستثمارات الزراعية للسنة المالية 2023/2024، بزيادة قدرها 71% عن ميزانية عام 2022/2023 البالغة 68 مليار جنيه للحد من نقص المياه وتحسين تقنيات الرى. ستحقق مشاريع استصلاح الأراضى الزراعية الضخمة فى سيناء وصعيد مصر والدلتا الجديدة وتوشكى الاكتفاء الذاتى من محاصيل استراتيجية ومقاومة للجفاف وإنتاج فائض من الغذاء للتصدير
من العوامل المهمة الأخرى التى ستجنى مصر ثمارها فى المستقبل هو ضبط النمو السكانى. يبلغ عدد سكان مصر أكثر من 105 ملايين نسمة، وتواجه زيادة سنوية تتجاوز المليون ونصف المليون نسمة. يستنزف هذا النمو الموارد ويُثقل كاهل المجتمع، ولذلك تبذل مصر قصارى جهدها لاحتوائه
وشرعت مصر فى استراتيجية للحد من الزيادة السكانية. أُطلقت مبادرة «أسرة» لتزويد الأسر الشابة بمعلومات حول تنظيم الأسرة الطوعى، كما مُنحت النساء المتزوجات اللاتى لا يتجاوزن إنجاب طفلين حافزاً سنوياً قدره 1000 جنيه مصرى. ثم أطلقت مصر أيضاً حملة «اتنين كفاية»، التى قدمت مساعدات مالية لمن ينجحن فى تنظيم الأسرة. ونتيجة لذلك، انخفض معدل النمو السكانى إلى 1.4% فى عام 2023، وهو أدنى معدل فى الخمسين عاماً الماضية. وستجنى مصر ثمار هذه المبادرات فى السنوات المقبلة
تعتبر هذه التغييرات بمنزلة إشارة واضحة إلى المسار الإيجابى للاقتصاد المصرى
لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى